تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 - 19
المحاضرة التاسعة
الملخص : تستعرض هذه المحاضرة المعالم الكبري و المميزات الاساسية للعلاقات الجزائرية الفرنسية في العهد العثماني
العلاقات الفرنسية الجزائرية خلال الفترة العثمانية
1. كانت هذه العلاقات متميزة، إذا ما قورنت بالعلاقات الجزائرية مع باقي الدول الأوروبية، و هذا التميز يعود إلى المكانة و الحظوة التي كان يتمتع بها دبلوماسيي فرنسا و تجارها و قناصلها في الجزائر، بعد التوقيع على معاهدة الامتيازات بين الدولة العثمانية و فرنسا سنة 1534 في عهدي الملك فرانسوا الأول و السلطان سليمان القانوني، حيث تضمنت هذه المعاهدات امتيازات كثيرة لفرنسا في العديد من الولايات العثمانية، و الجزائر كانت إحدى هذه الولايات، إذ أصبح لفرنسا مؤسسات تجارية كثيرة في العديد من المدن الساحلية الجزائرية مثل مدينة الجزائر ، عنابة، القالة و القل و يمارس فيها التجار الفرنسيون مختلف الأنشطة الاقتصادية مثل التصدير و الاستيراد. لكن كل هذا كان ظاهريا فقط، لان الهدف الحقيقي كان الجوسسة على الأوضاع في الجزائر.
2. وصلت هذه العلاقات إلى ذروتها خلال الثورة الفرنسية سنة 1789، حيث كانت الجزائر الدولة الوحيدة التي اعترفت بالنظام الجديد في فرنسا التي كانت تواجه حصارا أوروبيا محكما من اجل إجهاض هذه الثورة إفشالها و قررت منح الكثير من المساعدات لفرنسا أبرزها قروضا بدون فوائد لشراء الحبوب الجزائرية، كما قامت أيضا بفتح الموانئ الجزائرية أمام التجار الفرنسيين بعد أن أغلقت في وجوههم الأسواق الأوروبية.
3. لم تتوتر هذه العلاقات إلا خلال الحملة العسكرية الفرنسية على مصر سنة 1798 بقيادة نابليون بونابرت، حيث سارع الباب العالي بالآسيتانة (عاصمة الإمبراطورية العثمانية) إلى الضغط على الجزائر لقطع علاقاتها مع فرنسا و إعلان الحرب عليها الأمر الذي رضخت له الجزائر، و لقد أرسل مصطفى باشا داي الجزائر آنذاك برسالة إلى نابليون يبرر له فيها الأسباب التي دفعته إلى القيام بذلك ، و هي أن السلطان طلب " منا إعلان الحرب ضد فرنسا ، و بما أننا تحت رعايته فلا يمكن لنا أن نخرج عن طاعته فهي من واجبات العقيدة و الخروج عنها يعني الخروج عن الدين " . و لقد عرفت خلال هذه الفترة المصالح الفرنسية في الجزائر (خاصة امتياز صيد المرجان) أخطارا حقيقية وصلت إلى غاية تجميد هذه النشاطات.
4. في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تعامل فرنسا بحسن النية، كانت فرنسا تخطط لكيفية احتلال الجزائر، و هذا معناه أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تكن في حقيقة أمرها جيدة إلا ظاهريا خاصة من الجانب الفرنسي الذي كان يخطط سرا لاحتلال الجزائر و القضاء على قوتها التي كانت تهدد كامل الجزء الغربي من أوروبا. و يظهر ذلك من خلال تلك المشاريع الكثيرة التي أعدتها فرنسا لأجل ذلك مع الربع الأخير من القرن الثامن عشر، حيث بلغ عددها حوالي عشرة مشاريع في الفترة ما بين 1782-1830، و الملاحظ ان كل هذه المشاريع ركزت على الأهمية الاقتصادية و الإستراتيجية التي كانت تتمتع بها الجزائر، و بالتالي ضرورة احتلالها و ضمها إلى الإمبراطورية الفرنسية .
5. إن كل هذه المشاريع بنيت على كم هائل من المعلومات التي جمعت حول الجزائر و المتعلقة بجميع الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية و الطبوغرافية، التي كان لها الدور الأكبر في وضع المخطط الأخير و الذي بفعله تم احتلال الجزائر سنة 1830.
تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 - 19
الجزائر وجها لوجه مع الاسرة العلوية بالمغرب الاقصى
قام حاكم الجزائر عثمان باشا بإرسال رسالة إلى مولاي محمد بن الشريف (1640- 1658) في منتصف سنة 1654 ضمن بعثة متكونة من اثنين من علماء الجزائر هما عبد الله بن عبد الغفار النفزي بالمغرب الاقصى والحاج محمد بن عبد العالي الحضري المزغناوي واثنين من رجال الديوان وركزت الرسالة على الدور السلبي الذي مارسه المولى محمد من تفرقة جموع القبائل المنضوية تحت لواء الأتراك العثمانيين وإثارة أهل تلمسان ومنع وصول الجبايات من الضرائب، ولقد كان هذا الملك في حدد سنة 1650 يسعى إلى تحقيق وحدة وطنية في الصحراء الشرقية نحو أعالي غير والشمال الشرقي ترجمه عبر رسائل وجهها للأتراك العثمانيين مذكرا إيّاهم فضل العرب وأمجادهم ومبيّنا موقفهم منهم والمتمثل في أن الأتراك العثمانيين ليس لهم شرعية في إيالات الجزائر وطرابلس وتونس، ويرى بعض المؤرخين أن البعثة الدبلوماسية الجزائرية إلى الملك العلوي لها دلالات كثيرة أهمها أنها تحمل أوّل خطاب من باشوية الجزائر إلى السلطة الجديدة في المغرب، وإنها تعبير عن خوف الأتراك العثمانيين من السلطة الجديدة في المغرب عند المؤرخين المغاربة.
كما يرى بعض المؤرخين أن تاريخ هذه البعثة هي بداية مسلسل الصدام الحدودي بين المغرب والجزائر باسم الأسرة العلوية، وتواصل هذا الصدام في عهد المولى الرشيد 1664- 1672 والذي كان عاقدا للعزم على غزو المغرب الأوسط، ولقد قام حكام الجزائر في عهده بتوجيه بعثة إليه تطلب منه ألا يسمح لجيوشه بالتوغل في ممتلكات نفوذهم.
عرف عهد السلطان إسماعيل العلوي 1672- 1727 العديد من المناوشات مع جيرانه حكام الجزائر، ويرى بعض المؤرخين المغاربة أن هذا كان بهدف تأكيد وحدة المغرب العربي، إلا أنها في حقيقة الأمر تدل على الروح التوسعية الموجودة لدى الحكام العلويين بالمغرب الأقصى خاصة عند الموالي إسماعيل الذي طال عهده بشكل واضح حيث حكم 55 سنة ويبدو أن سبب كثرة مناوشات إسماعيل ضد الجزائر كانت بتحريض من الانجليز الذين لم يكونوا راضين على العلاقات الجزائرية الفرنسية التي كانت متميزة خاصة بعد معاهدة 1689 - أدت هذه المعاهدة إلى تحقيق سلم طويل المدى بين الجزائر وفرنسا دام قرابة 100 سنة- كما يعود أيضا إلى قيام حكام الجزائر بإرسال مجموعة من المناوئين إلى المغرب ليقفوا ضد السلطان إسماعيل مباشرة بعد مبايعته ولقد سبب ذلك في إحداث جملة من الانتفاضات الداخلية، كما أنهم وقفوا إلى جانب ابن أخيه أحمد بن محرز الذي ثار على عمه إسماعيل وأنه بقي كشوكة في حلق الدولة العلوية مدة 14 سنة إلى أن قضى عليه سنة 1686.
كما سعى المولى إسماعيل العلوي إلى تحريض طرابلس الغرب وتونس ضد الجزائر بل وحتى مصر وكل ذلك بهدف زعزعة الأتراك العثمانيين في الجزائر وكان يدعي أنّه لا مجال ترابي للجزائر بالجنوب، وهو كلام منافي للحقيقة لأن الأتراك العثمانيين كانوا قد أحكموا سيطرتهم عليه منذ أيام البيلرباي صالح رايس 1552- 1562 الذي يمكن من السيطرة على كل من تقرتوورقلة.
ولقد وقع التحالف المغربي التونسي على الجزائر في عهد مصطفى باشا 1700- 1705 حيث هاجم على إثر التحالف المغربي المولى إسماعيل حسب اتفاقه مع تونس الغرب الجزائري وتوغل فيه فلاقاه الحاج مصطفى باشا عند وادي الجديوية من فروع نهر الشلف سنة 1701 وكان الجيش المغربي بقيادة السلطان إسماعيل العلوي بنفسه وقد أسفرت هذه المواجهة على مقتل حوالي 3 آلاف جندي وعاد السلطان المغربي إلا بلاده منهزما.
عرفت العلاقات الجزائرية التونسية خلال هذه الفترة العديد من المواجهات والصدامات منها قيام علي باشا نقسيس (1754- 1766) باحتلال تونس سنة 1756 بعد حصارها وإعدام حاكمها علي باشا ونصبوا على العرش الحسيني محمد باي بن حسن، وما لبث هذا أن وقع في خلاف مع باي قسنطينة فأعاد الجزائريون احتلال تونس والتجأه محمد باي إلى قصر باردو فجهز على شقيق محمد باي جندا من أعراب المملكة التونسية وفك حصار أخيه وأخرج الجزائريين من تونس بعد أن أعطى محمد باي وثيقة التزم فيها بدفع الأداء السنوي للجزائر.
تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 - 19
العلاقات الجزائرية المغاربية سياسيا
(الجزءالثاني)
لقد كانت من أبرز أهداف البيلرباي صالح رايس في سياسته الخارجية هي وضع حد للمشاغبات والقلاقل التي كانت تأتي من قبل الدولة السعدية بالمغرب الأقصى، ملوك هذه الدولة الذين كانوا يتحينون الفرص لاقتطاع بعض الأراضي الجزائرية مثل ما حدث مع أواخر الخمسينيات من القرن السادس عشر حيث أرسل جيشه صوب تلمسان التي كان رجالها وجيشها كان يشاركان في محاولة جزائرية لتحرير وهران من القبضة الإسبانية فتمكن السلطان السعدي من دخول تلمسان على حين غفلة ووضع على رأسها أحد العلماء وهو ابن غانم زعيم قبائل بني راشد ووزير أواخر ملوك الزيانيين المحتمين بإسبانيا، أما الحامية الجزائرية التي كانت قليلة العدد والمتواجدة بتلمسان فلم تستسلم والتجأت إلى حصن المشور فاعتصمت به مقاومة إلى أن جاءتها النجدة خاصة وأن الجزائر عرفت حاكما جديدا قديما وهو حسن بن خير الدين باشا الذي عاد إلى الحكم بعد موت صالح رايس للمرة الثانية حيث سار حسن بن خير الدين بالجيش الجزائري لإنقاذ الحامية التي كانت في قلعة المشور وعند وصول الجيش الجزائري فرّ الجيش السعدي إلى ما وراء نهر ملوية ولكن حسان رأى وجوب تتبعهم والقضاء على دولتهم إثر مقتل ملكهم وانتصاب ابنه عبد الله الغالب بالله مكانه فوصل حسن بن خير الدين إلى مقربة مدينة فاس والتقى الجمعان على وادي اللبن ودارت بينهما معركة عنيفة إلا أنها لم تسفر على أي شيء، وفي هذا الظرف وصلت إلى حسن بن خير الدين أنباء عن تحرك الإسبان من مدينة وهران بهدف قطع خط الرجعة عليه فقرر الذهاب بجيشه إلى مرفأ قصاصة في الشمال، حيث قرر الرجوع عن طريق البحر إلى الجزائر.
ودائما عملاً بمبدأ ضرورة بقاء الجزائر هي الأقوى عسكريا في المنطقة بالنسبة للجارين التونسي والمغربي نجد تصميم علج علي على تحرير تونس من أيدي الإسبان بعد أن أصبح بيلرباي الجزائر سنة 1568 حيث قام بجمع الجيش الجزائري وبادر بمهاجة تونس فالتقى مع جيوش الملك أحمد الحفصي بباجة وانتصر عليه، ثم تقدم إلى العاصمة التونسية ويقول المؤرخ التونسي ابن أبي الضياف عن ذلك: «وفتح آهل الحاضرة أبوابها لعلي باشا فدخلها بمن معه وقصد القصبة وذلك سنة 1569 ونادى في الناس بالأمان، فاجتمع إليه وجوه البلد وأخذ عليهم البيعة للسلطان العثماني، وأعلنت الخطبة بالدعاء له على المنابر وضربت السكة باسمه ولما استقرت قدمه جاءت فرسان الزمامرة من جيش السلطان الحفصي- وقالوا له: نحن خدام سلطاننا، دافعنا عنه بقدر استطاعتنا ولا مرد لحكم الله، فإن شئتم أبقيتمونا في بلادنا، وإن شئتم ننصرف، وأرض الله واسعة، فقال لهم علي باشا: لقد فعلتم ما وجب عليكم من النصح والمدافعة عن سلطانكم فأنتم الآن من جماعتنا».
وبعد ذلك قرر علج علي ترك حامية عسكرية لحماية مدينة تونس ومحاصرة قلعة حلق الوادي التي كانت لا تزال بيد الإسبان ورجع بعدها إلى الجزائر، حيث كان السلطان العثماني سليم الثاني قد استدعاه للمشاركة بالأسطول الجزائري في معركة ليبانت.
حاول الإسبان استغلال انتصارهم في معركة ليبانت لاسترجاع مدينة تونس من يد العثمانيين ريثما يتمكن من إعادة الكرة على مدينة الجزائر وكان ذلك بتآمر مع الملك الحفصي أبي العباس أحمد الذي كان قد لجأ إلى إسبانيا، ولقد تمكن الإسبان من الدخول إلى تونس خلال شهر اكتوبر 1573 التي لم يكن بها يومئذ ما يكفي للدفاع عنها وفرّ أهلها إلى البوادي، ولكن سرعان ما جاءت القوات العثمانية قادمة من الجزائر بقيادة علج علي وكذا سنان باشا وجيش طرابلس بقيادة مصطفى باشا وجيش القيروان يقوده حيدر باشا. ويقول ابن أبي الضياف في وصف عملية التحرير ما يلي: «وحاصر قلج علي باشا حلق الوادي ووالى عليه القتال، إلى أن أخذه عنوة، وحكم السيف في أهله (الإسبان) وغنم جميع ما به من العدة والذخائر، والآلات وذلك لست خلت من جمادى الأولى سنة 981هـ/1573م... ففرّ من بها من الصبنيول ومعهم محمد بن الحسن الحفصي إلى البستيون وتملك العسكر العثماني على الحاضرة وقصبتها... ثم اجتمعوا عصابة واحدة بقلب واحد على حصار البستيون وضيقوا على أهله من كل جهة وباشر الوزير سنان باشا الحرب بنفسه كواحد من الجند»، ولقد تمكنوا من الاستيلاء على الحصن، وبهذه العملية تم القضاء على الدولة الحفصية التي حكمت تونس لحوالي 370 سنة.
تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 - 19
المحاضرة السادسة
الملخص : تتناول هذه المحاضرة طبيعة العلاقات السياسية الجزائرية المغاربية و تطوراتها .
العلاقات الجزائرية المغاربية سياسيا
(الجزء الأول)
لقد شجع ضعف بني وطاس بالمغرب الأقصى (1462- 1554) البرتغاليين على احتلال سبتة واتخاذها منطلقا للسيطرة على مضيق جبل طارق وبالخصوص المراكز الجنوبية منه والواقعة على الساحل المغربي إحكاماً للسيطرة على الطرق التجارية في الحوض الغربي للمتوسط، ومن جهتهم عمل الإسبان على أن يكون لهم موطئ قدم فأصبح المغرب الأقصى مسرحا للتنافس الإسباني البرتغالي، في وقت عجز فيه الوطاسيون على التصدي للغزو الأجنبي ونزعات الاستقلال عن السلطة المركزية في فاس. الأمر الذي مهّد لبروز قيادات محلية في العديد من الجهات بادرت إلى رفع راية الجهاد فحصل الاصطدام مع الوطاسيين، وأمكن للسعديين الاستيلاء سنة 1525 على مراكش التي أصبحت المقر الجديد للدولة السعدية الناشئة بداية من سنة 1509، وبسقوط العاصمة فاس سنة 1541 تم القضاء على الحكم الوطاسي فيها، غير أنّ توسع السعديين في تلمسان جعلهم وجها لوجه مع القوات العثمانية التي أصبحت تسطير على المغرب الأوسط (الجزائر) ولقد أسر السعديون الأمير الزياني حليف العثمانيين إلا أن حكام الجزائر الجدد تمكنوا من استرجاع تلمسان وتراجع السعديون إلى فاس بهدف حمايتها من الخطر العثماني.
في هذه الظروف تم عزل حسن خير الدين باشا (1544- 1552) وتعيين صالح رايس (1552- 1556) مكانه وتمكن هذا البايلرباي من الوصول إلى بادس وإلحاق هزيمة بالسعديين وواصل الجيش الجزائري زحفه واحتل تازة ودخل فاس في 8 جانفي 1554 وركز فيها قوات عسكرية جزائرية وساد النفوذ العثماني في شرق المغرب الأقصى ومناطقه الوسطى. ورجع صالح رايس عن طريق تلمسان فعزل مولاي الحسن الزياني عن منصبه، والذي كان قد نصبه حسن بن خير الدين سنة 1552 بسبب العلاقات التي كونها مع الإسبان وضم تلمسان لملك الجزائر وانتهت بذلك دولة بني زيان.
تمكن السعديون بعد حوالي أربع سنوات فقط من استرجاع فاس وهذا بعد تقربهم من البرتغاليين والإسبانيين ودارت بين الطرفين معركة عنيفة انتصر فيها السعديون في أفريل 1558 وتمكنوا من مقاومة التوسع العثماني في المغرب الأقصى ولقد نجحوا في الحفاظ على المغرب الأقصى بعيدا عن أيّ نفوذ عثماني.
وهنا نشير إلى تلك الخطوة التي أقدم عليها السلطان العثماني سليمان القانوني من أجل توطيد السلام وجمع الشمل فأرسل وفدا من كبار العلماء يرأسهم الفقيه العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الخروبي الطرابلسي الأصل والجزائري مستقراإلى السلطان السعدي بمدينة مراكش وفاوضه باسم السلطان حول النقاط التالية:
1) اعتراف السلطان العثماني بالاستقلال التام المطلق لدولة المغرب مقابل اعتراف هذه الدولة بالخلافة العثمانية جمعا لوحدة المسلمين وذلك بالدعاء للخليفة العثماني على المنابر.
2) إطلاق سراح الأسرى والمنكوبين من بني وطاس والتخفيف عنهم إذ لا يجوز شرعاً أن يغلجماعة من المسلمين.
3) تحديد ورسم الحدود بين مملكتي الجزائر والمغرب الأقصى.
ولقد طال النقاش والحوار حول هذه النقاط ولم يقبل سلطان مراكش السعدي الاعتراف بخلافة آل عثمان كما لم يقبل تدخلهم في أمر بني وطاس، ولكن المفاوضات استقرت على أمر مهم وهو ما كانت تسعى إليه هذه البعثة في حقيقة الأمر وهو رسم حدود فاصلة بين دولتي المغرب الأقصى والجزائر من ساحل البحر إلى بداية الصحراء وهي تقريب الحدود الموجودة حاليا بين البلدين.
تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 -19
المحاضرة الخامسة
من مميزات وخصائص الدولة الجزائرية الحديثة
الملخص : تسعى هذه المحاضرة الى تحديد بعض خصائص الدولة الجزائرية الحديثة مع التركيز على حرصها الشديد أن تكون هي المتفوقة عسكريا في المنطقة
ــــــــــــــ
لقد تميز القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادسعشر بالصّراع الحادّ بين المسلمين والمسيحيين في غرب البحر الأبيض المتوسط الذي نتج عنه ضياع الأندلس وقيام الأسبان المسيحيين باحتلال العديد من المناطق المغاربية، إلا أنه بفضل جهود الإخوة بربروسة وكذا التدخل العثماني، وتضافر جهود الأندلسيين وشيوخ الزوايا ورؤساء العشائر من أهالي البلاد (الجزائرية) تمّ طرد الإسبان من السواحل الجزائرية، وترتب عن ذلك وضع أسس كيان سياسي موحد على الأرض الجزائرية عاصمته مدينة الجزائر له حدود قارة مع كلّ من تونس وسلطنة المغرب الأقصى، ومجال توسع في الجنوب الصحراوي، وقد تدعم هذا الكيان بفضل التنظيمات والإجراءات الإدارية التي أحدثها والعلاقات الدبلوماسية التي حافظ عليها في إطار الدولة العثمانية، وفرض بمقتضاها على الدول الأوروبية مثل فرنسا وانجلترا وإسبانيا والدول الإيطالية وغيرها التعامل معه كدولة مستقلة وليس كإيالة خاضعة للسلطة العثمانية. ولقد عرف نظام الحكم بالجزائر تطورا ملحوظا من الارتباط المباشر بمركز الخلافة العثمانية في عهد البايلربايات (1518- 1588) وحكم الباشاوات والدايات في فترتها الأولى (1671- 1710) لينتهي الأمر إلى دولة إقليمية لها استقلال شبه تام عن الدولة العثمانية خلال الفترة ما بين (1711- 1830).
كانت العلاقات الجزائرية الخارجية خلال كامل هذه الفترة مبنية على حرصها الشديد على المحافظة على تفوق عسكري واضح على كل من بايات تونس وسلاطين المغرب الأقصى، وعلى إبقاء صلات التعاون وتبادل المصالح مع الدولة العثمانية التي تضمن للجزائر الدعم العسكري وتسمح لها بتجديد حاميتها وعتادها الحربي الذي يقوم عليه استقلاها ويمكن للدولة العثمانية أيضا من المحافظة شرعيا ودبلوماسيا على ثقلها أمام الدول الأوروبية خاصة. أما على المستوى الدولي فكانت سياسة حكام الجزائر مع الدول الأوروبية طيلة القرنين 16 و17 تقوم على مبدأ التصدي والمواجهة لسياسات الهيمنة التي مارستها بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وانجلترا لكنها تحولت بفضل التفوق الأوروبي الحربي والتقني والاقتصادي إلى وضع الدفاع ثم التراجع في القرن 18 وأوائل القرن 19.
لماذا كانت الجزائر تعمل دائما للحفاظ على تفوقها العسكري على كلّ من تونس والمغرب الأقصى؟
يعود ذلك سياسياً إلى شساعة الحدود الرابطة بين الجزائر والمغرب، وكذا إلى الأطماع التوسعية لهاتين الدولتين على حساب الجزائر وهي الأطماع الموروثة من الدولة الحفصية بتونس التي كانت ممتدة إلى غاية الشرق الجزائري ودولة بني مرين بالمغرب الأقصى وإلى الحروب التي كانت بين هاتين الدولتين التي كانت تقود الحفصية تارة إلى غاية فاس وتقود المرينية تارة إلى غاية تونس، ودولة بني زيان بين شقي الرحى تنتمي مرة إلى هذه وأخرى إلى تلك.
كان بإمكان حكام تونس الحفصية خلال القرن السادس بناء على السوابق التاريخية ادعاء السيادة على معظم المدن والقبائل الواقعة بين مدينتي تونس والجزائر، ولهذا وجدنا خير الدين عندما استتب له الحكم في الجزائر يقوم بأول حملة عسكرية له نحو تونس سنة 1534 للاستيلاء عليها، وإلحاقها بالجزائر، إلا أن الإسبان كانوا هم الأقوى فتمكن شارل الخامس من افتكاكها من أيدي خير الدين سنة 1535 وأعاد إلى العرش الأمير السابق الذي كان مغضوبا عليه وقيامهم بإنشاء قاعدة عسكرية في حلق الوادي، وقد استمرت هذه الأوضاع إلى غاية 1574 حيث جرت معركة تحرير تونس والتي كان فيها للأسطول الجزائري وجيشها دورا مهما حيث قاد رمضان باشا (1574- 1577) حوالي 3000 انكشاري وآلاف المتطوعين من الأهالي.
ولقد بقيت الجزائر هي صاحبة الكلمة العليا في تونس من سنة 1574 إلى غاية سنة 1587 أي عند وفاة علج علي قرر السلطان إنشاء ثلاث إيالات في المنطقة المغاربية هي الجزائر وتونس وطرابلس لأن السلطان كان خائفا من أن مسؤولا قويا بعيدا جدا من اسطنبول قد يصبح مستقلا عنه، وقد تمتع هؤلاء الباشاوات باعتبارهم ممثلين للسلطان بكثير من الامتيازات، سهم من الغنائم والعبيد الذين يقعون في أسر القراصنة وحتى تقبل الهدايا مقابل الخدمات ومراقبة المدخولات المالية التي تجمع من الرعايا المحكومين.
تاريخ الجزائر الحديث من القرن 16 -19
المحاضرة الرابعة
الملخص : سنواصل في هذا الجزء الحديث بالتعرف كيف اصبحت الجزائر جزءا من الدولة العثمانية ؟
االحاق الجزائر بالذولة العثمانية
ـ الجزء الثاني ـ
7 - رأى الأخوين عروج وخير الدين ضرورة إخبار السلطان العثماني بما يجري ببلاد المغرب عن طريق احد البحارة العثمانيين وهو بيري رايس ، الذي كان ينشط في سبيل مساعدة الاندلسيين ، فبعثوا إلى السلطان بهدية مرفقة برسالة شرحوا له فيها أوضاع بلاد المغرب ، كما اخبروه بالصعوبات التي تواجههم من اجل إنقاذ مسلمي الأندلس ، فرحب السلطان سليم الأول بذلك و أمدهم بالعدة و العتاد ،إذ زودهم بعدد من السفن وبالرجال وبكميات من الملاح ، وغدا هؤلاء الإخوة يحضون بمساندة إمبراطوريه بأكملها ، وهو ما زادهم تصميما على شن حملة جديدة على بجايه و تحريرها ، وذلك بتجنيده لجيش ضخم قدر عدده بحوالي 20 ألف جندي .
8 ـ عقب وفاة الملك فرناندو في 23 جانفي 1516، رأى سكان مدينه الجزائر أن الفرصة قد حانت لإلغاء العمل بالمعاهدة التي كان قد وقعها حاكم المدينة ، سالم التومي مع الإسبان في 31 ماي 0 151 ، وتذهب بعد الروايات إلى أن بيدرو نافارو اشترط على سالم التومي التوجه إلى اسبانيا لإعلان فروض الولاء والطاعة والالتزام بتنفيذ شروط المعاهدةأامام الملك ، فاستنجدو بالأخوين ، حيث سار خير الدين اليهم بقوة نظم 16 سفينة صغيره ، على متنها 500 جندي ، وما إن وطأت أقدام عروج مدينة الجزائر حتى قام بتحرير الحصن الاسباني الذي كان كالشوكة في قلوب سكان المدينة ، وقد أثار عزم وطموح عروج مخاوف سالم التومي ، فسعى لاحاكت الدسائس عن طريق الاستعانة بالاسبان لطرد الاخوة بربروسة ، فتفطن عروج لذلك فقضي عليه . ورغم فشل عروج في طرد الاسبان من الحصن إلا انه وصل في مضايقة الحامية الاسبانية المقيمة فيها ، وبعد مواجهات عديدة تمكن عروج من السيطرة على المدينة.
9 ـ وجد خير الدين نفسه في موضع حرج جدا ، بعد مقتل أخيه عروج خلال حملته على تلمسان ، في صائفة 1518 حيث أدرك ضعف موقفه السياسي ، ومركزه الحربي فالأعداء يحيطون به من كل جانب ، ففي الغرب بقايا بني زيان في تلمسان وحلفائهم الاسبان بوهران ، وفي الشرق بنو حفص والاسبان ، وكان كل طرف يسعى للإطاحة به، خاصة وانه لم يكن يتمتع بشعبية واسعة وعريضة كشعبية أخيه ، إذ لم تكن له علاقات برؤساء القبائل ، فضلا على انه واجه نقصا في السلاح والعتاد. فماذا عليه ان يفعل لمواجهة هذه الظروف الصعبة ؟ . قام بدعوة علماء الجزائر و أعيانها إلى اجتماع عام حيث يقول عبد الرحان الجيلالي بهذا الصدد في كتابه ( تاريخ الجزائر العام ـ الجزء الثالث ـ ) أن خير الدين ذكر كل هؤلاء بأنه قد تمكن من حمايتهم من الاسبان ، و أنه قد حصن المدينة بشكل يمكنهم الدفاع عنها دون الحاجة اليه لذلك فإن مهمته في الجزائر تكون قد انتهت و عليهم أن يختاروا واحدا منهم يجعلوه أميرا عليهم ، و هو الأمر الذي رفضوه ، فطلب منهم مراسلة السلطان العثماني سليم الأول يطلبون منه إبقاء عروج في الجزائر .
- 10 تمت مراسلة السلطان العثماني سليم الاول باسم اعيان مدينة الجزائر يناشدونه الحماية والانضمام الى الدولة العثمانية، وتعد هذه الرسالة اول وثيقة في تاريخ العلاقات بين الطرفين وابرز ما جاء فيها: " ومفاد ما يريد عبيدكم اعلامه لمقامكم العالي هو ان خير الدين كان قد عزم فصد جنابكم العالي، إلا أن أعيان البلدة المذكورة رفعت ايديها متضرعة اليه حتى لا يرتحل خوفا من الكفار ، اذ هدفهم هو النيل منا ونحن على غاية الضعف والبلاء..."
- 11 سارع السلطان سليم الاول الى تلبيه طلب سكان واعيان مدينه الجزائر، فمنح لخير الدين رتبه بايلرباي وهي رتبه تخول لصاحبها اختصاصات إداريه وسياسيه واسعة ومتشعبة ، وتجعل منه قائدا أعلى للعسكر في إقليمه ، وممثلا للسلطان ، وبهذا أصبحت الجزائر تحت السيادة العثمانية ، وان أي اعتداء خارجي على اراضيها يعتبر اعتداء على الدولة العثمانية .
12- أدت هذه التطورات إلى تخوف القوى المحلية والإقليمية على حد سواء من هذا النفوذ الجديد ، فخير الدين الذي انتصر على نائب ملك صقليه في هيغو ديمونكادا في صيف 1519 ، أضحى باعتباره ممثلا للسلطان العثماني يستند الى اعظم قوة وقتذاك ، وهذا عزز كثيرا مواجهة الأهالي للإسبان ، الأمر الذي مكن خير الدين من اجتثاث الوجود الاسباني بتحريره لميناء الجزائر يوم 27 ماي 1529 ، فاوجد بذلك ميناء لمدينه الجزائر وملجأ لأسطوله الذي أصبح بإمكانه انطلاقا من ذلك الموقع الاستراتيجي بين مضيقي صقليه وجبل طارق ان يراقب ، ويقطع الطريق على الأسطول الاسباني ، وأمكن أيضا لخير الدين انطلاقا من المغرب الاوسط محاوله التأثير في الأوضاع الداخلية في كل من المغرب الأقصى والبلاد التونسية ، بتوسيع مجال النفوذ العثماني شرقا على حساب السلطة الحفصية ، وغربا على حساب الدولة السعدية .
13 - إن نجاحات خير الدين في الجزائر ، وتدهور الأوضاع الداخلية للبلاد التونسية أغرته بالتوسيع على حسابها لنفور سكانها من سلطانها مولاي الحسن الحفصي ، وبالفعل أمكنته في جوان 1534 الاستيلاء على بنزرت ، والوصول الى الحاضرة أي (مدينه تونس) دون مقاومة ، الأمر الذي اجبر الحسن الحفصي على الفرار والاستنجاد بالإمبراطور الاسباني شارل الخامس.
-14 إن خروج المغرب الأوسط - همزةالوصل ونقطه الوسط الذي يتوقف عليه مصير بقية منطقه بلاد المغرب ــ عن النفوذ الاسباني، ومحاولة خير الدين انطلاقا منه التوسع على حساب تونس، نبه الاسبان إلى خطورة الوضع ، وضرورة الاسراع في القيام بحملة لإعادة الأمور إلى نصابها ، وبالفعل قاد شارل الخامس بنفسه أسطولا استولى به على حلق الوادي ، وفرض به تبعية لصيقة لمولاي الحسن الحفصي إلى التاج الاسباني من خلال معاهدة 6 اوت 1535 في جين انسحب خير الدين عائدا الى الجزائر.
تاريخ الجزائر الحديث مابين القرنين16م-19م
المحاضرة الثالثة
الملخص : تنقسم هذه المحاضرة الى قسمين ، و سنتعرف من خلالها على اكيف أصبحت الجزائر ايالة تابعة للدولة العثمانية ؟
الحاق الجزائر بالدولة العثمانية
ـ الجزء الأول ـ
1 ـ لقد بادر مسلمي الأندلس في وقت مبكر إلى تحسيس ''الراي العام الإسلامي'' آنذاك بمحنتهم حيث وجهوا سفارة عنهم الى السلطان محمد الفاتح سنة 1477 ، و أخرى الى سلطان مصر الملك الأشرف ، وحوالي سنة 1505 وجهوا استغاثة شعرية إلى السلطان العثماني بيازيد الثنائي ( 1447 ـ 1512 ) حوالي سنة 1512 ، الا أن هدا السلطان كان غارقا في إدارة صراعات داخل القصر وسط العائلة الحاكمة ، و كدا مواجهة أخطار تحالف صليبي ضد الإمبراطورية ، التحقت به فرنسا تحت لواء البابا يوليوس الثاني (1503-1513) من حهة ، و تهديدات من المماليك على الحدود الجنوبية من جهة أخرى فضلا عن المنافسة الصفوية لقادمة من إيران ، إلا انه قام بمساعي دبلوماسية لدى البابا مهددا بتغيير معاملته لمسيحي الأراضي العثمانية إذا استمر حصار أندلسي مملكة غرناطة و التضييق عليهم .
2 - لقد قام السلطان بيازيد الثاني من تنفيذ هجوم بحري قاده كمال رايس على السواحل الاسبانية والإيطالية و المالطية عام 1487 ، وتمكن كمال رايس خلال هذه العملية من اجلاء عدد من الاندلسيين المسلمين واليهود الى الأراضي العثمانية.
3 - لقد كان العثمانيون خلال هذه الفترة قد وجهوا اهتمامهم الى تدعيم نفوذهم في اتجاه أوروبا الشرقية ، والمشرق العربي، مما جعل الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط يبقى نسبيا على الهامش بالنسبة لإستراتيجية التحرك العثماني ، إلا أن التحولات الخطيرة التي عرفتها المنطقة مع مطلع القرن السادس عشر وجهت أنضار العثمانيين إليها ، الأمر الذي جعلها تصبح طيلة الأرباع الثلاثة الأولى من القرن ال16 مسرحا لمواجهة إسبانية ـالعثمانية.
4 - ان سيطرة الإسبان على أهم المراكز الساحلية للمغرب الأوسط تمت في ظروف كان فيها بنو عبد الواد عاجزين عن التصدي لهم الأمر الذي دفع بالأهالي الى الاستنجاد بالأخوين عروج و خير الدين المستقرين بجربة التونسية منذ سنة 1504 ، فتمكنا من استرجاع بجاية سنة 1516، وتحرير مدينة الجزائر والبليدة و مليانة و المدية و تنس و دلس .
5 - من هم الإخوة بربروسة ؟ لقد كان لنشاط الإخوة بربروسة دورا هاما في مد الوجود العثماني داخل الحوض الغربي للبحر المتوسط ، هناك اختلاف كبير بين المؤرخين حول أصل الإخوة ذوي اللحية الشقراء ، إلا أن أكثر الاحتمالات قربا للحقيقة ان والدهم كان من بقايا الجيش العثماني الذي فتح بلاد اليونان ومن ، ومن العناصر الإسلامية ، وتذهب بعض الروايات إلى أن والدهم من أصل أندلسي ( حسب ما يذكره المؤرخ أحمد توفيق المدني ) . وهؤلاء الأخوة هم إسحاق وخير الدين و عروج و إلياس وخضر، وكان والدهم يتمهن صناعة الخزف في جزيرة ميدلي المعروفة بليسيوس (في اليونان) ، ولقد امتهنوا ركوب البحر ، و التي برعوا فيها خاصة عروج وخير الدين اللذين اتخذا من جربة بتونس ، قاعدة بحرية لمختلف نشاطاتهم ، خاصة عملية مساعدة الأندلسيين ، و يبدو أن السلطان الحفصي أبا عبد الله محمد رحب بهم لأنه كان يريد الاستعانة بهم ضد الإسبان و سمح لهم باستخدام ميناء حلق الوادي و منذئذ اصبح للإخوة قاعدة بحرية قوية جدا وبفصلها ضمنوا لأنفسهم موقعا استراتيجيا ، حيث حصلوا على موقع قريب من طرق الملاحة التي كانت تعبر بجزيرة صقلية ونجحوا في تكوين أسطول يضم اثنتا عشر سفينة وألف رجل .
6 - لبى الإخوة بربروسة سنة 1512 نداء علماء و أعيان بجاية لإنقاذ المدينة و مساعدة الأمير عبد الرحمان على استرجاعها ، ولقد ساروا على رأس جيش صغير لمحاصرة المدينة الا أن المحاولة فشلت ، ولكن رغم هذا الفشل الا أنها كانت بداية الاحتكاك بين الطرفين الإسباني ـ العثماني ، حيث تعرف الأهالي على شدة بأس هؤلاء الرجال ، و كانت فرصة لتوحيد وتنسيق الجهود بين الجزائريين و الاخوة بربروسة ، ومن ناحية أخرى كانت إنذارا بالخطر بالنسبة للاسبان وأدرك عروج أن محاصرة مدينة بجاية من قاعدته البعيدة والموجودة في حلق الوادي امر صعب ، فقرر الانتقال إلى جيجل التي افتكها من التجار الجنويين الذين كانوا قد استقروا بها منذ سنة 1260، وكان ذلك في حدود سنة 1513.
تاريخ الجزائر الحديث مابين القرنين16م-19م
المحاضرة الاولى
الملخص : تسعى هذه المحاضرة إلى الإجابة على السؤال التالي : ماهي الأوضاع التي كانت تعيشها المنطقة المغاربية قبيل القرن السادس عشر ؟ وماهي الأسباب المؤدية إلى تلك الحالة ؟
أوضاع البلدان المغاربية عشية القرن السادس عشر
1 ـ إن الوحدة السياسية و الدينية التي عرفتها إسبانيا حلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر مكنتها من تصفية الوجود الإسلامي بها ، و خاصة بعد سقوط غرناطة سنة 1492 ، و لجوء الحكومة الإسبانية إلى ممارسة شتى أنواع العنف و الاضطهاد ضد المسلمين هناك ، و محاولة تنصيرهم بالجملة بعد أن خيروا بين اعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد ، و هي إجراءات عممت على مختلف المقاطعات كغرناطة و قشتالة و الأرغون و كتالونيا و فلنسيا ، و لم تلبث مراسيم التنصير القصري أن دفعت بمحاكم التفتيش التي وقع تركيزها في العديد من أنحاء البلاد الإسبانية ، إلى عقد جلساتها الكثيرة لمحاكمة المتقاعصين . و تجدر الإشارة هنا إلى أن مسلمي الأندلس بادروا بصفة مبكرة جدا إلى تحسيس " الرأي العام الإسلامي " آنذاك بمحنتهم ، حيث وجهوا سفارة عنهم إلى السلطان محمد الفاتح سنة 1477 ، و أخرى إلى الملك الاشرف الذي كان حاكما على مصر حوالي سنة 1505 ، و وجهوا استغاثة شعرية إلى السلطان العثماني بيازيد الثاني ( حكم في الفترة مابين 1481 ــ 1512 ) غير أن شدة الضغط الإسباني عليهم اضطرهم للفرار من إسبانيا إلى بلدان المغرب بصفة خاصة و بأعداد غفيرة جدا . و مقابل ما كانت عليه إسبانيا من قوة و توحد ، كانت البلاد المغاربية في غاية من التشرذم و التفكك و الضعف و الانحلال .
2 ـ بعد سقوط الدولة الموحدية مباشرة في حدود سنة 1269 ، ظهرت في منطقة المغرب 3 دويلات أساسية هي :
ــ الدولة الحفصية بتونس و تضم أيضا طرابلس و الشرق الجزائري .
ــ الدولة الزيانية بالوسط و الغرب من الأرض الجزائرية .
ــ الدولة المرينية بالمغرب الأقصى .
ويقول ابوالقاسم سعد الله انه من التسامح فقط القول بان الدولة المرينية كانت تحكم ما هو الآن المغرب الأقصى و أن الدولة الزيانية كانت تحكم ما هو الآن الجزائر ، و أن الحفصية كانت تحكم ما هو الآن تونس، ذلك ان جزءا كبيرا من الشرق الجزائري اليوم بما في ذلك قسنطينة وعنابة وبجاية وبسكرة وتقرت كانت تحت هيمنة الدولة الحفصية ، وكان ما يعرف اليوم بالغرب الجزائري تحت نفوذ الدولة الزيانية التي اتخذت قاعدتها تلمسان ، اما وسط القطر الجزائري الحالي فقد كان منطقه عازله بين الحفصية والزيانيه ومن ثمة كان منطقه صراع دام بين القوتين ، ولذلك ظهرت فيه امارات محليه صغيرة كانت تحتفظ بحيادها أحيانا ولكنها كانت في اغلب الأحياء تتبع الأقوى ،ولم يكن التنافس والطموح مقصورين على الزيانيين والحفصيين بل لقد تدخلت في ذلك منافسة وطموح المرينيين أيضا ضد الزيانيين المجاورين تارة ، و ضد الحفصيين البعيدين عنهم تارة أخرى ، و هكذا وصلت جيوش المرينيين في بعض الأوقات إلى تونس ، و قسنطينة كما وصلت الجيوش الحفصيه الى المدية ومليانه وتلمسان.
3 ـ يمكن القول ان المغرب المعاصر نشأت أقسامه في أواخر القرن ال 13 وهو تقسيم ذاتي لا دخل فيه لما نسمية اليوم بالاستعمار، كما يرى ذلك أبو القاسم سعد الله ، ولقد استمرأ حكام هذه الدول السلطة كما هي ولم يراعوا طموحات الشعب في إعادة الوحدة ، بل نجدها تدخل في تطاحن إقليمي رغبة منها في السيطرة على بلاد المغرب ، الأمر الذي أدى إلى اصطدامات كثيرة ببعضها البعض ، وكانت هذه الحروب استنزافا واضحا لثروات البلاد وجهودا ضائعة .
4- نتيجه لهذه الحروب والصدامات عمت الفوضى كل بلاد المغرب ، وهذا في الوقت الذي كانت فيه الملكة ايزابيلا وزوجها فيرديناند يخوضان حروب الاستيراد.
5 ـ ان هذه الفوضى وهذا الانقسام هو الذي جعل المؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني يكتب قائلا: "لقد دخلت هذه الدويلات في حروب طويلة مزمنة إذ خلال قرن كامل لم يبق لأمراء هذه العائلات المالكة من السلطة سوى اسمها وكان شغل الملوك الشاغل إحباط المؤامرات والفتن ، ويقول أيضا أنها سقطت كلها في وهده الانقسامات و الحروب الداخلية الهوجاء " فحروب داخل كل دولة بين الطامعين في العرش ، و مايجره ذلك من المحن و البلايا ، و حروب بين الدول الإسلامية تقود الحفصيين تارة إلى فاس ، و تقود المرينيين تارة أخرى إلى تونس ، و دولة بني زيان بين شقي الرحى تنتمي مرة لهذا و تنتمي مرة أخرى لذلك ، و تلعن وجوب التخلص منهما معا " . ويقول أيضا أن القرن الخامس عشركله انقضى في مد وجزر . ولقد لخص المؤرخ الفرنسي شارل اندري جوليا في كتابه (تاريخ افريقيا الشمالية من الغزو العربي الى 1830) هذه الأوضاع بقوله: "ان بلاد المغرب أصبحت عبارة عن فسيفساء سياسية". فالمغرب الأوسط ــ الذي سيعرف فيما بعد باسم الجزائر ــ على سبيل المثال كان مقسما إلى العديد من الإمارات و المشيخات و القبائل المستقلة ، فهناك مشيخة الجزائر التي تتصدرها قبيلة الثعالبة ، و إمارة ( كوكو ) التي تشمل القسم الغربي من جبال القبائل الكبرى ، و أما القسم الشرقي من بلاد القبائل و عاصمته بني عباس فقد كان للأمير عبد العزيز الحفصي ، و من ثمة فإن حكم ملوك بني زيان قد اقتصر على تلمسان و ضواحيها .
6 ـ إن هذه الأوضاع المتردية والفوضى السياسية الكبيرة كانت عاملا مشجعا للأطماع المسيحية الاسبانية ، و نستشف ذلك مما كتبه فرناندو دي زافرا أحد كتاب البلاط الإسباني ومكلفا بحراسة شواطئ إسبانيا ، و بمراقبة حركة الأندلسيين المتوجهين إلى بلاد المغرب في أعقاب إجراءات الطرد : " إن بلاد المغرب بأكملها تجتاز حالة إنهيار نفسي يظهر معها أن الله قد أراد منحها لصاحبي الجلالة " . و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسبان كانوا على علم ، و دراية دقيقة بالوضع السياسي المتدهور بالمنطقة ، و هو الأمر الذي شجعهم على العمل للتغلغل في المنطقة و احتلال العديد من أجزائها .
تاريخ الجزائر الحديث مابين القرنين16م-19م
المحاضرة الاولى
الملخص : تسعى هذه المحاضرة إلى الإجابة على السؤال التالي : ماهي الأوضاع التي كانت تعيشها المنطقة المغاربية قبيل القرن السادس عشر ؟ وماهي الأسباب المؤدية إلى تلك الحالة ؟
أوضاع البلدان المغاربية عشية القرن السادس عشر
1 ـ إن الوحدة السياسية و الدينية التي عرفتها إسبانيا حلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر مكنتها من تصفية الوجود الإسلامي بها ، و خاصة بعد سقوط غرناطة سنة 1492 ، و لجوء الحكومة الإسبانية إلى ممارسة شتى أنواع العنف و الاضطهاد ضد المسلمين هناك ، و محاولة تنصيرهم بالجملة بعد أن خيروا بين اعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد ، و هي إجراءات عممت على مختلف المقاطعات كغرناطة و قشتالة و الأرغون و كتالونيا و فلنسيا ، و لم تلبث مراسيم التنصير القصري أن دفعت بمحاكم التفتيش التي وقع تركيزها في العديد من أنحاء البلاد الإسبانية ، إلى عقد جلساتها الكثيرة لمحاكمة المتقاعصين . و تجدر الإشارة هنا إلى أن مسلمي الأندلس بادروا بصفة مبكرة جدا إلى تحسيس " الرأي العام الإسلامي " آنذاك بمحنتهم ، حيث وجهوا سفارة عنهم إلى السلطان محمد الفاتح سنة 1477 ، و أخرى إلى الملك الاشرف الذي كان حاكما على مصر حوالي سنة 1505 ، و وجهوا استغاثة شعرية إلى السلطان العثماني بيازيد الثاني ( حكم في الفترة مابين 1481 ــ 1512 ) غير أن شدة الضغط الإسباني عليهم اضطرهم للفرار من إسبانيا إلى بلدان المغرب بصفة خاصة و بأعداد غفيرة جدا . و مقابل ما كانت عليه إسبانيا من قوة و توحد ، كانت البلاد المغاربية في غاية من التشرذم و التفكك و الضعف و الانحلال .
2 ـ بعد سقوط الدولة الموحدية مباشرة في حدود سنة 1269 ، ظهرت في منطقة المغرب 3 دويلات أساسية هي :
ــ الدولة الحفصية بتونس و تضم أيضا طرابلس و الشرق الجزائري .
ــ الدولة الزيانية بالوسط و الغرب من الأرض الجزائرية .
ــ الدولة المرينية بالمغرب الأقصى .
ويقول ابوالقاسم سعد الله انه من التسامح فقط القول بان الدولة المرينية كانت تحكم ما هو الآن المغرب الأقصى و أن الدولة الزيانية كانت تحكم ما هو الآن الجزائر ، و أن الحفصية كانت تحكم ما هو الآن تونس، ذلك ان جزءا كبيرا من الشرق الجزائري اليوم بما في ذلك قسنطينة وعنابة وبجاية وبسكرة وتقرت كانت تحت هيمنة الدولة الحفصية ، وكان ما يعرف اليوم بالغرب الجزائري تحت نفوذ الدولة الزيانية التي اتخذت قاعدتها تلمسان ، اما وسط القطر الجزائري الحالي فقد كان منطقه عازله بين الحفصية والزيانيه ومن ثمة كان منطقه صراع دام بين القوتين ، ولذلك ظهرت فيه امارات محليه صغيرة كانت تحتفظ بحيادها أحيانا ولكنها كانت في اغلب الأحياء تتبع الأقوى ،ولم يكن التنافس والطموح مقصورين على الزيانيين والحفصيين بل لقد تدخلت في ذلك منافسة وطموح المرينيين أيضا ضد الزيانيين المجاورين تارة ، و ضد الحفصيين البعيدين عنهم تارة أخرى ، و هكذا وصلت جيوش المرينيين في بعض الأوقات إلى تونس ، و قسنطينة كما وصلت الجيوش الحفصيه الى المدية ومليانه وتلمسان.
3 ـ يمكن القول ان المغرب المعاصر نشأت أقسامه في أواخر القرن ال 13 وهو تقسيم ذاتي لا دخل فيه لما نسمية اليوم بالاستعمار، كما يرى ذلك أبو القاسم سعد الله ، ولقد استمرأ حكام هذه الدول السلطة كما هي ولم يراعوا طموحات الشعب في إعادة الوحدة ، بل نجدها تدخل في تطاحن إقليمي رغبة منها في السيطرة على بلاد المغرب ، الأمر الذي أدى إلى اصطدامات كثيرة ببعضها البعض ، وكانت هذه الحروب استنزافا واضحا لثروات البلاد وجهودا ضائعة .
4- نتيجه لهذه الحروب والصدامات عمت الفوضى كل بلاد المغرب ، وهذا في الوقت الذي كانت فيه الملكة ايزابيلا وزوجها فيرديناند يخوضان حروب الاستيراد.
5 ـ ان هذه الفوضى وهذا الانقسام هو الذي جعل المؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني يكتب قائلا: "لقد دخلت هذه الدويلات في حروب طويلة مزمنة إذ خلال قرن كامل لم يبق لأمراء هذه العائلات المالكة من السلطة سوى اسمها وكان شغل الملوك الشاغل إحباط المؤامرات والفتن ، ويقول أيضا أنها سقطت كلها في وهده الانقسامات و الحروب الداخلية الهوجاء " فحروب داخل كل دولة بين الطامعين في العرش ، و مايجره ذلك من المحن و البلايا ، و حروب بين الدول الإسلامية تقود الحفصيين تارة إلى فاس ، و تقود المرينيين تارة أخرى إلى تونس ، و دولة بني زيان بين شقي الرحى تنتمي مرة لهذا و تنتمي مرة أخرى لذلك ، و تلعن وجوب التخلص منهما معا " . ويقول أيضا أن القرن الخامس عشركله انقضى في مد وجزر . ولقد لخص المؤرخ الفرنسي شارل اندري جوليا في كتابه (تاريخ افريقيا الشمالية من الغزو العربي الى 1830) هذه الأوضاع بقوله: "ان بلاد المغرب أصبحت عبارة عن فسيفساء سياسية". فالمغرب الأوسط ــ الذي سيعرف فيما بعد باسم الجزائر ــ على سبيل المثال كان مقسما إلى العديد من الإمارات و المشيخات و القبائل المستقلة ، فهناك مشيخة الجزائر التي تتصدرها قبيلة الثعالبة ، و إمارة ( كوكو ) التي تشمل القسم الغربي من جبال القبائل الكبرى ، و أما القسم الشرقي من بلاد القبائل و عاصمته بني عباس فقد كان للأمير عبد العزيز الحفصي ، و من ثمة فإن حكم ملوك بني زيان قد اقتصر على تلمسان و ضواحيها .
6 ـ إن هذه الأوضاع المتردية والفوضى السياسية الكبيرة كانت عاملا مشجعا للأطماع المسيحية الاسبانية ، و نستشف ذلك مما كتبه فرناندو دي زافرا أحد كتاب البلاط الإسباني ومكلفا بحراسة شواطئ إسبانيا ، و بمراقبة حركة الأندلسيين المتوجهين إلى بلاد المغرب في أعقاب إجراءات الطرد : " إن بلاد المغرب بأكملها تجتاز حالة إنهيار نفسي يظهر معها أن الله قد أراد منحها لصاحبي الجلالة " . و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسبان كانوا على علم ، و دراية دقيقة بالوضع السياسي المتدهور بالمنطقة ، و هو الأمر الذي شجعهم على العمل للتغلغل في المنطقة و احتلال العديد من أجزائها .
Langue française 2ème LMD Histoire Dre: MAJOUBA.K
Ces travaux dirigés sont destinés aux étudiants de la 2ème année Licence " Histoire" Département des sciences Humaines.
مطبوعة دروس مادة ما قبل التاريخ العام
حاولنا أن نضع بين أيدي زملاءنا من الأساتذة وأعزاءنا الطلبة المقبلين على التحضير لشهادة الليسانس تخصص تاريخ عام هذا الجهد العلمي الذي جمعنا فيه، على بركة الله، مجموعة الدروس المقدمة في مادة ما قبل التاريخ العام لطلبة السنة الثانية تاريخ(السداسي الرابع)، علا وعسى أن يساعدهم في مشوارهم العلمي والعملي، راجينا من الله العلي القدير أن يجنبنا الوقوع في الخطأ ويسدد خطانا لجادة الصواب وما فيه خير هذه الأمة.
تاريخ الجزائر الحديث ما بين القرنين (16-19م)
تاريخ الجزائر الحديث ما بين القرنين (16-19م)
تقديم وتوزيع بحوث الأعمال الموجهة لطلبة الفوج الأول (01)
السداسي الرابع