تاريخ الجزائر المعاصر 2
bachir sahouli

تاريخ الجزائر المعاصر 2

المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية                     السداسي : س 2

الميدان : علوم انسانية                                                        

المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2

المجموعة : الثانية Section II

الأستاذ  المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير

المحاضرة رقم : 8

 

أوضاع الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945

الوضع العام في الجزائر عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية:

لم تكن الجزائر بمنأى عن العالم عشية الحرب العالمية الثانية ؛ وباندلاعها عرفت ظروفا استثنائية وإجراءات أمنية أدت إلى توقيف الجمعيات والأحزاب نشاطها العادي، فقادة حزب الشعب القدماء كانوا في السجون والمنفى وصودرت جريدتهم في فرنسا، واضطرت جمعية العلماء المسلمين إلى وقف جريدتها "البصائر" وأوقف ابن باديس مجلته" الشهاب"، ولم يلب ثان ادركه الموت في 16 ابريل 1940 ، بينما فرضت الإقامة الجبرية على البشير الإبراهيمي في منطقة آفلو ( الاغواط)، وقد خالف العقبي زملاءه فاصدر جريدة " الإصلاح"، وتقلص نشاط المدرسين في المدارس الحرة.

أما النواب فقد خفت صوتهم حيث تجند ابن جلول وفرحات عباس في صفوف الجيش الفرنسي للدفاع عن فرنسا، واضطرب نشاط الشيوعيين تبعا لموقف موسكو من الحرب، وحتى اليهود الذين تحصلوا على الجنسية الفرنسية بموجب قانون كريميو؛ وبمجرد ان اصبحت الجزائر تابعة لنظام " حكومة فيشي " بقيادة المارشال "بيتان" رفعت عنهم الجنسية الفرنسية وعوملوا معاملة الاهالى كما كانوا قبل 1870 .

لقد تجند الجزائريون في الحرب العالمية الثانية تحت طائلة قانون التجنيد الإجباري وسيقوا أفواجا إلى الجبهات الأوروبية ، وقد اقتنع البعض منهم بالدعاية الفرنسية والغربية التي كانت تروج بان الحرب من اجل انتصار الديمقراطية على الأنظمة الديكتاتورية وأنها في النهاية إعطاء الحقوق للشعوب المستعمرة بالإضافة إلى الدعاية الألمانية والايطالية التي كانت تخبر الجزائريين بأنهم سينالون حريتهم إذا أيدوا قضية المحور.

لقد حكم نظام فيشي في فرنسا ابتداء من جوان 1940 واضطربت الأوضاع في الجزائر تبعا لذلك، وحتى بين الفرنسيين أنفسهم اذ كان من يؤيد المارشال بيتان وفيهم من يؤيد الجنرال ديغول، كما كثرت الجوسسة بينهم استعدادا لنزول الحلفاء في نوفمبر 1942 ،ضف الى ذلك تغير الحكام العامون في الجزائر عدة مرات وفي ظرف قصير، وساءت الأحوال الاقتصادية فشحت المواد الغذائية وجاء "عام الشر" او مايعرف " عام البون" فانقطع التزود بالسكر والقهوة والشاي والسميد، وكثرت الأمراض ومنها " التيفوس" او ماتعرف بالحمى الصفراء التي تسببت في مقتل الآلاف من الجزائريين.

النشاط السياسي للجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 :

أ/ بيان فبراير 1943:

بعد سقوط فرنسا في قبضة الألمان سنة 1940 سرح الكثير من الجزائريين من الحرب ومن بينهم فرحات عباس حيث عاد إلى الجزائر  واشتغل بممارسة الصيدلة والسياسة كما قام بالكتابة والتأليف، وظل يبحث عن طريقة للعودة للنضال السياسي، فأرسل رسالة الى المارشال بيتان يلفت فيها نظره إلى وضع الجزائريين وكانت هذه المحاولة منفردة لان معظم قيادات الحركة الوطنية كانت تقبع في السجون اوالمنفى اوالاقامة الجبرية الا هو وكان لابد للميدان من فارس.

كان الحلفاء بقيادة أمريكا وبريطانيا يعدون بتطبيق مبادئ ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة الجديد فرأى فرحات عباس وفريقه نوعا من الأمل، ورغم وجود مصالي الحاج في السجن والبشير الإبراهيمي تحت الإقامة الجبرية وابتعاد ابن جلول عن السياسة فان فرحات عباس اغتنم  فرصة نزول الحلفاء بالجزائر في 08 نوفمبر 1942  واخذ يتصل بممثليهم ولا سيما "روبرت مورفي" و"ماكميلان" لمعرفة موقفهم من مصير الشعب الجزائري، لكن الحلفاء وعلى لسان ممثليهم كانوا دائما يقولون بأنهم جاءوا للحرب وليس من اجل السياسة؛ وأمام هذا الرد فان فرحات عباس عزم على كتابة بيان باسم الشعب الجزائري وتقديمه إلى الحلفاء وقبل القيام بذلك استشار زملاءه النواب في مجلس الوفود المالية وزملاءه السياسيين المعتقلين فزار مصالى الحاج في سجنه وتشاور مع قادة  جمعية العلماء المسلمين وتوصل معهم الى نقاط أساسية ليضمنها للبيان الذي احتوى على النقاط الآتية:

إدانة الاستعمار وإلغائه وذلك بتحريم استغلال شعب من طرف شعب آخر.

تطبيق تقرير المصير لجميع الشعوب الصغيرة والكبيرة.

منح الجزائر دستورا خاصا بها.

المشاركة الفورية والفعالة للمسلمين الجزائريين في حكومة بلادهم

إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من جميع الأحزاب.

لقد صاغ فرحات عباس البيان وقدمه في شهر فبراير 1943  في عدة نسخ  الى كل من ممثلي الحلفاء وكذا الحكومة المصرية  وباقتراح من " اوغسطين بيرك" ( مسؤول الادارة الاهلية بالجزائر) ذيّل فرحات عباس البيان بملحق تطبيقي ، ولكن الحلفاء لم يلبثوا ان رحلوا من الجزائر لتحرير ايطاليا ثم فرنسا وبقيت الجزائر  مقرا للجنة فرنسا الحرة بقيادة ديغول                                   

ب/ حركة احباب البيان والحرية (14 مارس 1944):

لم يلقى بيان فبراير تفاعلا واستجابة من طرف الحلفاء ولا من الفرنسيين فتطورت لدى فرحات عباس فكرة تحويل البيان إلى حزب وطني كبير وهذا ما تحقق بظهور حركة أحباب البيان والحرية يوم 14 مارس 1944  التي لاقت اجماعا من طرف الاندماجيون والاستقلاليون وحتى جمعية العلماء المسلمين في حين ان الشيوعيين رفضوا  الفكرة وانشئوا جمعية منافسة أطلقوا عليها اسم " أحباب الديمقراطية".

تكونت حركة أحباب البيان والحرية بهدف الدفاع والتعريف ببيان الشعب الجزائري من جهة، ومن جهة ثانية إقامة جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا وفي هذا الصدد أعلنت عن إنشاء صحيفة لها تصدر باللغة الفرنسية سميت "المساواة "وفتحت أبواب الانخراط فيها وكثرت الاجتماعات، وقد شددت لهجتها يوم أعلن الفرنسيون بقيادة ديغول"...بأنهم سيكافئون النخبة الجزائرية على خدماتها وذلك بمنح الجنسية الفرنسية لعدد من أفراد النخبة الاندماجية دون مطالبتهم بالتخلي عن الأحوال الشخصية الاسلامية..."، وقد رأى ذلك الجزائريون بانه استهتارا بتضحياتهم في الحرب العالمية الثانية.

إن حركة أحباب البيان والحرية جمعت حولها العلماء والمنتخبين ومناضلي حزب الشعب الجزائري المحلّ الذين كانوا في المراكز الطلائعية للحركة ويشددون أكثر فأكثر  على مواقفهم الاستقلالية وهذا ماادى إلى ظهور خلاف بينهم وبين الاندماجيين في مؤتمر شهر مارس 1945 الذي رجح سياسة حزب الشعب الجزائري من خلال ماخر جبه من مطالب والتي جاءت كما يلي:

الاعتراف بالجنسية الجزائرية

اعداد دستور جزائري ديمقراطي

استبدال المجالس الجزائرية ببرلمان منتخب.

استبدال الحكومة القائمة بحكومة جزائرية

الاعتراف بالعلم الجزائري.

كما صوّت المؤتمر على مذكرة تؤيد على إطلاق سراح مصالي الحاج الذي وصف بزعيم الشعب الجزائري بلا منازع كما  نجح الاستقلاليون الى دفع حركة أحباب البيان والحرية الى التصلب في مواقفها.

احداث 08 ماي 1945:

كان للدعاية  التي ألقاها الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وصدور ميثاق الأطلسي ووعود الجنرال ديغول بمنح الحكم الذاتي للمستعمرات الفرنسية بعد الحرب صدى كبيرا لدى الجزائريين، ومما زاد الحركة الوطنية تصلبا في مواقفها وإصرارها على المطالبة بالاستقلال باسم حركة أحباب البيان والحرية وظهر ذلك في مؤتمر الحركة المنعقد في الفترة مابين 02 و04 مارس 1945.

ومن جهتها سارعت السلطات الاستعمارية مرة اخرى الى اعتقال مصالى الحاج في 18 افريل 1945 ( كان قد استفاد من العفو) ووضعه بمعتقل بوغار مما تسبب في مظاهرات وطنية مطالبة بإطلاق سراحه وتحت ضغط الاحتجاجات نقل الى معتقل قصر الشلالة ثم الى المنيعة بالصحراء الجزائرية ومنها نفي الى برزافيل بالكونغو في 23 افريل 1945.

وعند حلول الفاتح ماي 1945 ( العيد العالمي للعمال) نظم حزب الشعب مظاهرات سلمية حمل فيها المتظاهرون لافتات تندد بالاستعمار وتنادي بحرية الجزائر وتقرير المصير والاستقلال وإطلاق سراح المساجين السياسيين ، وقد أسفرت عن العديد من القتلى والجرحى بالاضافة  الى حملة الاعتقالات.

وفي اليوم الثامن من ماي 1945 قرر قادة الحركة الوطنية القيام بمظاهرات شعبية بمختلف المدن الجزائرية احتفالا بانتصار الحلفاء على المحور، ففي مدين سطيف طالب الحزائريون الترخيص لهم بمسيرة الى قبر الجندي المجهول، حيث تجمع عدة آلاف من السكان في المكان  المتفق عليه وهو وسط مدينة سطيف واصطفت الصفوف استعدادا للمسيرة ثم أعطيت الأوامر بالتقدم نحو نصب الجندي المجهول وعند الخطوات الاولى نشر الشاب بوزيد سعال العلم الجزائري  وتقدم به الصفوف( علما انه من شروط الحصول على الترخيص من الادارة  الفرنسية هو عدم إظهار العلم الجزائري في المسيرة) ثم سمعت هتافات مختلفة منها أطلقوا سراح مصالى الحاج، تحيا الجزائر المستقلة،تحيا الجامعة العربية، فواجهت الشرطة الفرنسية هذه المسيرة السلمية  بهمجية ووحشية وأطلقت الرصاص على المتظاهرين وأصيب بوزيد سعال حامل العلم واضطربت الاوضاع وتفرقت الجموع وحدثت صدامات بينهم وبين الشرطة والمدنيين الاوروبيين وتحركت المليشيات الأوروبية والشرطة لسحق الثورة؛ فقصفت الطائرات مداشر وقرى سطيف وقالمة وخراطة، كما قصقت السفن الفرنسية سواحل بجاية ،وساد التعتيم الإعلامي فلم ينشر خبر المجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين الا بعد مرور شهر واختلفت تقديرات الضحايا.

لقد ساد الجزائر بعد احداث 08 ماي 1945  حالة السكون فنصبت المحاكم وأعلنت حالة الطوارئ وامتلأت السجون وقيّد فرحات الى سجن الكدية بقسنطينة وهو الذي كان في نفس اليوم المصادف للأحداث في الولاية العامة بالعاصمة لتقديم التهاني للحاكم العام الفرنسي من اجل تقديم التهاني بانتصار الحلفاء على المحور، كما منعت السلطات الفرنسية صدور الجرائد والتحركات السياسية فكان ذلك هو جزاء فرنسا للجزائريين على تضحياتهم من اجل تحريرها.

إن أحداث 08 ماي 1945 جعلت الشعب الجزائري يبقى مجندا في سبيل قضيته، ومؤشرا عن نهاية الوجود الاستعماري بالجزائر في الآجال القريبة ومنطلقا لتفجير ثورة اول نوفمبر 1954  وان ما خذ بالقوة لا يسترجع الا بالقوة.

 

 


المراجع المعتمدة:

شارل روبير آجيرون، تاريخ الجزائر المعاصرة من انتفاضة 1871 الى اندلاع حرب التحرير (تر:جمال فاطمي وآخرون)، شركة الامة للطاعة والنشر والتوزيع، المجلد الثاني، الجزائر ، 2008.

سعد الله ابو القاسم، خلاصة تاريخ الجزائر المقاومة والتحرر 1830-1962، دار الغرب الاسلامي ، بيروت، 2007.

فرحات عباس، ليل الاستعمار (تر:ابو بكر رحال) دار الجزائر للكتاب، الجزائر، 2011.

قداش محفوظ وصاري الجلالي، الجزائر صمود ومقاومات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2012.

قداش محفوظ، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (تر: امحمد بن البار) دار الامة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزء الاول، الجزائر، 2008.