تذكير لطلبة الفوجين 9+11 تاريخ الحضارات بضرورة تقديم أعمالهم وأن آخر أجل هو يوم الاثنين 18-04-2022 / الأستاذ هواري رضوان
هذه بعض المراجع في تاريخ الحضارات للستعانة بها في انجاز أعمالكم
https://drive.google.com/open?
https://drive.google.com/open?
https://drive.google.com/open?
امتحان السداسي الثاني في مقياس مجتمع المعلومات
في المرفقات تجدون نص السؤال الخاص بامتحان السداسي الثاني في مقياس مجتمع المعلومات ،والموجه الى طلبة السنة الأولى جذع مشترك علوم انسانية خلال السنة الجامعية 2021-2022
تاريخ الحضارات القديمة-2
توجه هذه التطبيقات لطلبة الأفواج: 1-2 للسنة الأولى جدع مشترك وهي عبارة عن قائمة بحوث للإنجاز فرديا ومجموعة نصوص متعلقة بمحطات هامة في المقياس. وعليه، لا بد من إنجازها يدويا دون اللجوء إلى الأعمال المنسوخة عبر الكمبيورتر. حتى يتسن للطلبة التعود على المفاهيم والمعلومات المتعلقة بالمقياس.
محاضرات علم الآثار سداسي 2
ملخص محاضرات السداسي الثاني.
مع وجوب العودة الى ما تم عرضه في الدروس الحضورية.
امتحان السداسي الثاني مقياس حضارات قديمة
امتحان السداسي الثاني مقياس/ حضارات جنوب غرب اسيا والبحر المتوسط في العصرالقديم
السنة الأولى علوم إنسانية
الافواج المعنية /1-2-3-4-5-6-7
نص السؤال
اختر 05 من المفاهيم التالية واعط لها شرحا مختصرا -
1الحضارة- 2الديمقراطية- 3حلف ديلوس-4 مجلس الشيوخ 5–العصر الهليني 6–المدينة الدولة-7 اسبارطة 8–أثينا9-الغساسنة –10المناذرة- 11سد مارب-12رحلة الشتاء والصيف-13 إسكندر المقدوني 14–مكتبة الإسكندرية15-الحروب البونيقية –16حنبعل –17تأسيس روما –18المدينة الفاضلة-19الاساطير اليونانية-ا20الميتولوجية21-التحنيط22 – الملك سرجون –23الخط المسماري –24الهلال الخصيب-25سوق عكاض-26العرب العاربة 27العرب المستعربة28هيرودوت29 الفرعون 30 حمو رابي-
ملاحظات /
تقدم الاعمال في ورقة واحدة ويمكن اشتراك طالبين في العمل
تسلم الاعمال يوم الثلاثاء 25 ماي 2021 في القاعة رقم 8 ابتداءا من التاسعة صباحا (الفترة الصباحية فقط)
لا يقبل أي تاخيراوعذر مهما كان
يمكن التنسيق مع الطالبات المسؤولات في الافواج للاستفسار
بالتوفيق للجميع
الأستاذة المشرفة على المقياس د/تيرس ستاريخ الجزائر المعاصر2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 10
بوادر تصدع الحركة الوطنية الجزائرية ( التيار الاستقلالي)
المنظمة الخاصة السرية
خرجت المنظمة الخاصة من رحـم حزب الشعب الجزائري بمقتضى قرارات المؤتمر المنعقد بين 15-16 فبراير 1947 في بوزريعة وعين علىى رأسها الشاب "محمد بلوزداد". الذي تمكن في ظرف قصير من تجنيد حوالي ألفي مناضل من الشباب المؤمن بالعمل الثوري المحض حيث تمّ تزويدهم بتعليم عسكري في إطار حرب العصابات ودربتهم على استعمال الاسلحة الكائنة في المخابئ والمتفجرات بمختلف انواعها والتي جلبت بين سنوات 1947-1948 من الحدود الليبية التونسية الجزائرية من المناطق التي دارت فيها المعارك بين دول الحلفاء والمحور خلال الحرب العالمية الثانية،وقد دخلت الى الجزائر عبر محور وادي سوف، الزيبان، الاوراس، اين خزنت ووزعت حتى الى عمالة قسنطينة.
لقد أعدت المنظمة الخاصة وفي فترة وجيزة جيشا كاملا ووفرت له جميع الشروط الضرورية للاستعداد والدخول في المعركة خاصة مع اتخاذها طابع السريّة والانضباط وجاءت قيادة الاركان على النحو الآتي:
المرحلة الاولى:1947-1948: محمد بلوزداد رئيسا (قائد الاركان)
حسين آيت احمد :نائب قائد الاركان مسؤول منطقة القبائل
محمد بوضياف: مسؤول عمالة قسنطينة.
جيلالي رجيمي: مسؤول عمالة الجزائر 1 ( العاصمة- متيجة- التيطري)
عبد القادر بلحاج جيلالي: مسؤول عمالة الجزائر 2 ( الظهرة- الشلف).
احمد بن بلة: مسؤول عمالة وهران.
ولما مرض محمد بلوزداد واصبح طريح الفراش ( مرض السل) خلفه على راس المنظمة حسين آيت احمد.
المرحلة الثانية:1948-1949 : حسين آيت احمد رئيسا ( قائد الاركان)
عبد القادر بلحاج جيلالي: المدرب والمفتش العام.
محمد بوضياف: مسؤول عمالة قسنطينة
جيلالي رجيمي: مسؤول عمالة الجزائر 1.
محمد ماروك: مسؤول عمالة الجزائر 2.
احمد بن بلة: مسؤول عمالة وهران.
امحمد يوسفي: مسؤول شبكة الاتصالات والاستعلامات والمساعدات
قامت المنظمة الخاصة السرية خلال هذه الفترة بعملية عسكرية ثمثلت في الهجوم على مكتب البريد المركزي بوهران في يومي 05-06 افريل 1949؛ ونتيجة مشاكل وصراعات داخلية (الأزمة البربرية 1949) تم عزل حسين آيت احمد من قيادتها وتعويضه بأحمد بن بلة.
المرحلة الثالثة: 1949-1950 : احمد بن بلة رئيسا ( قائد الاركان)
عبد القادر بلحاج جيلالي:المدرب والمفتش العام.
محمد بوضياف ونائبه محمد العربي بن مهيدي: عمالة قسنطينة.
جيلالي رجيمي: عمالة الجزائر 1
احمد مهساس: عمالة الجزائر 2.
عبد الرحمن بن سعيد وحمو بوتليليس: عمالة وهران.
امحمد يوسفي: المصالح العامة والمساعدات.
تميزت هذه الفترة باكتشاف المنظمة الخاصة السرية من قبل السلطات الاستعمارية في 18 مارس 1950 على اثر الحادثة التي عرفت " حادثة عبد القادر خياري المدعو رحيم" من تبسة حيث توجهت اليه مجموعة من المناضلين لتأديبه نتيجة عمالته لمصالح الامن الفرنسية لكنه تمكن من الفرار وتسليم نفسه للشرطة الفرنسية التي قامت حينها بمتابعة اعضائها امنيا وقضائيا بما في ذلك قيادتها كأحمد بن بلة، احمد مهساس، وحمو بوتليليس وعبد القادر بلحاج جيلالي وجيلالي رجيمي واعتقالهم وإدخالهم السجون بالإضافة الى قيام الشرطة الفرنسية بعمليات القمع والتعذيب.
أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية:
بدت هذه الازمة منذ 1949 نتيجة صراعات داخلية ظهرت بوادرها باستقالة النائبين الدكتور الامين دباغين والصيدلي جمال دردور من الحركة، وتجسدت سنة 1950 بعد اكتشاف المنظمة الخاصة السرية حيث تعرض اعضائها للمتابعات القضائية وتفاقمت وزادت حدّة سنة 1951 باستقالة بعض القياديين من اللجنة المركزية أمثال شوقي مصطفاي وشرشالى وآخرون ثم أصبحت أكثر شدة وخرجت للعلن بعد مؤتمر حركة انتصار الحريات الديمقراطية المنعقد في الفترة مابين 04-06 افريل 1953 بالجزائر العاصمة والذي ادى الى ظهور تيارين:
التيار المصالى ( المصاليون) : من أمثال احمد مزغنة ، مولاي مرباح، عبد الله فيلالي، عيسى عبدلي، الداعين إلى إعطاء صلاحيات مطلقة لمصالى الحاج في ادارة الحزب على مدى الحياة ( القيادة الفردية).
تيار المركزي ( المركزيون): وهم أعضاء اللجنة المركزية للحركة ينضوي تحته حسين الأحول،كيوان عبد الرحمن، سيد علي عبد الحميد، بن يوسف بخدة، احمد بودة المطالبين بالتسيير الجماعي للحزب( القيادة الجماعية).
وكانت صائفة 1954 منعرجا حاسما في مسيرة حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتطور هذا الصراع حيث عقد أنصار مصالي الحاج مؤتمرا في مدينة هورنو ببلجيكا في الفترة الممتدة مابين 13-15 جويلية1954 ،في حين عقد المركزيون مؤتمرا بالجزائر العاصمة مابين 13-16 أوت 1954 وقد عمل كل طرف بالتنديد بالطرف الآخر وإقصائه.
لقد تزامن هذا الصراع مع وجود فئة ثالثة يمثلها أعضاء المنظمة الخاصة السرية التي حاولت إيجاد حل للخروج من الأزمة وهو ضرورة التعجيل بتفجير الثورة المسلحة للالتحاق بالبلدان المغاربية (تونس 1952، المغرب الأقصى 1953).
تحضيرات تفجير الثورة المسلحة 1954 :
اللجنة الثورية للوحدة والعمل: في ظل الصراع المحموم بين تياري حركة انتصار الحريات الديمقراطية والذي اشتدت وطأته سنة 1954 ظهرت هيئة حاولت التوفيق بين المتصارعين تمثلت في اللجنة الثورية للوحدة والعمل تكون مكتبها من أربعة أعضاء: اثنان من قدامي المنظمة الخاصة وهم محمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد واثنان من أعضاء اللجنة المركزية وهم محمد دخلي وبوشوبة رمضان.
وعن هذه اللجنة قال محمد بوضياف:"...حين تاسست اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954 لم يكن الامر يتعلق في أي حال من الأحوال تأسيس اتجاه سياسي جديد...بل الحفاظ على وحدة حركة انتصار الحريات الديمقراطية ودفعها إلى العمل المسلح..."، ولتحقيق هذه الغاية أصدرت اللجنة الثورية للوحدة والعمل نشرية سرية أسمتها ( الوطني) دعت فيها المناضلين إلى ضرورة الإسراع لتفجير الثورة المسلحة ؛ الأمر الذي جعل مسئولوها كمحمد بوضياف والعربي بن مهيدي ومصطفي بن بولعيد وديدوش مراد ورابح بيطاط يتوجهون للتحضير لإشعال فتيل الثورة.
مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجموعة 22 :
بعد فشل تجربة اللجنة الثورية للوحدة والعمل عقد اعضاء من قدامى المنظمة الخاصة اجتماعا سمي نسبة الى عدد المناضلين الذين حضروه (22 عضوا) في شهر جوان 1954، استغرق هذا اللقاء يوما كاملا في دار المناضل الياس دريش بكلو صالمبي أو سالم باي( المدنية حاليا) بالجزائر العاصمة وقد ترأسه مصطفى بن بولعيد ومن جملة التقارير التي تناولها مايلي:
تاريخ المنظمة الخاصة من نشأتها الى حلها.
استعراض حصيلة القمع الاستعماري.
الوقوف على حصيلة العمل الذي أنجزه قدماء المنظمة الخاصة بين سنوات 1950-1954.
التطرق إلى أسباب أزمة الحزب .
البحث في موقف بعض قدماء المنظمة الخاصة من اللجنة الثورية للوحدة والعمل.
دراسة اندلاع الثورة المسلحة في تونس والمغرب.
وانتهى الاجتماع بطرح السؤال: هل حان وقت تفجير الثورة المسلحة بالجزائر ام لا؟
كما تمّ في هذا اللقاء التاريخي انتخاب المسؤول الوطني وهو يختار بقية أعضاء لجنته فوقع الاختيار على مصطفى بن بولعيد ومحمد بوضياف وبدورهما وجها الاستدعاء إلى كل من ديدوش مراد والعربي بن مهيدي ورابح بيطاط فتكونت لجنة الخمسة أعضاء والتي قررت:
جمع قداماء المنظمة الخاصة وإدماجهم من جديد.
استئناف التدريبات العسكرية للاستعداد لتفجير الثورة.
إقامة تربصات في مجال تفجيرات القنابل الضرورية.
توزيع المسؤوليات على الأعضاء الخمسة.
تحضير تفجير الثورة:
اتصل محمد بوضياف في شهر جويلية 1954 باحمد بن بلة في مدينة بيرن السويسرية واعلمه بما شرع فيه وما ينتظرونه من المندوبية الخارجية، وقد أبدى هذا الأخير موافقة فورية واخذ في السير في هذا الطرح وابلغ بدوره محمد خيضر وحسين آيت احمد كما عمل على إقناع المصريين بهذا الأمر لمد يد المساعدة.
كما تمكنت لجنة الخمسة من إقناع مسؤولي منطقة القبائل ممثلين في كريم بلقاسم وعمر اوعمران بضرورة الالتحاق وبذلك ادمج كريم بلقاسم في لجنة الخمسة فأصبحت ستة،كما طرحت مشكلة السلاح حيث توصل اهضاء اللجنة الى اتفاق وهو ضرورة استعمال السلاح الذي كان مخبأً في منطقة الاوراس حيث تمّ إخراجه من المخابئ وشرع في توزيعه وتسليمه إلى مسؤولي المناطق عبر مراحل.
وبعد اللقاءات المتكررة لأعضاء لجنة الستة في شهر أكتوبر 1954 تم تحديد تاريخ ويوم اندلاع الثورة المسلحة في الجزائر وإعطاء تسمية جديدة للجبهة التي ستقود الثورة فاقترح على تسميتها جبهة التحرير الوطني، وصياغة بيان أول نوفمبر وتقسيم البلاد إلى عدة مناطق عسكرية وهي:
المنطقة الاولى ( الاوراس+ النمامشة) مصطفي بن بولعيد.
المنطقة الثانية ( الشمال القسنطيني) ديدوش مراد
المنطقة الثالثة ( القبائل) كريم بلقاسم
المنطقة الرابعة( الجزائر وضواحيها) رابح بيطاط.
المنطقة الخامسة( الغرب الجزائري) محمد العربي بن مهيدي
المنطقة السادسة(الجنوب) قائدها سي العربي يوضع تحت تصرف مصطفى بن بولعيد إلى حين هيكلتها.
المراجع المعتمدة:
الزبيري محمد العربي، تاريخ الجزائر المعاصر، الجزء الاول، الطباعة الشعبية للجيش، الجزائر 2007.
بوضياف محمد، التحضير لاول نوفمبؤ 1954، دار النعمان للطباعة والنشر، ط02، الجزائر 2011.
حربي محمد، الثورة الجزائرية سنوات المخاض (تر:نجيب عياد وصالح المثلوثي)، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، الجزائر، 1994.
يوسفي، امحمد، الجزائر في ظل المسيرة النضالية - المنظمة الخاصة- (تر:محمد الشريف و بن داي حسين)، منشورات وزارة المجاهدين، الجزائر، 2002
تاريخ الجزائر المعاصر 2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 9
إعادة بناء الحركة الوطنية الجزائرية
بعد سنة من تفكك الحياة السياسية واختفاء الصحافة الوطنية وفتح السجون والمعتقلات والمتابعات، صدر قانون العفو العام سنة 1946 فرجع السياسيون إلى ميدان النشاط ولكن بدرس جديد خاصة بعد ارتكاب فرنسا لمجازر 08 ماي 1945 والتي حاولت ان تمتص غضب الجزائريين بإعلانها عن وضع دستور جديد للجمهورية الفرنسية الرابعة، وفي انتظار ذلك اخذ السياسيون الجزائريون يؤلفون أحزابا جديدة على أنقاض الأحزاب القديمة استعدادا للانتخابات التشريعية في فرنسا والجزائر.
النشاط السياسي للحركة الوطنية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية:
الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ( الثورة بالقانون)
لم ينتظر فرحات عباس بعد الإفراج عنه بمعية الدكتور سعدان في شهر مارس 1946 حيث قام بتأسيس الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ملخصا مطلبه في النداء الذي وجهه الى الشبيبة الجزائرية والفرنسية بمناسبة تأسيس الحزب في شهر افريل 1946 بقوله"...لانريد إدماجا ولا سيدا جديدا ولا انفصالا وإنما نريد شعبا فتيا يتولى تثقيف نفسه اجتماعيا وديمقراطيا ويحقق تطوره العلمي والصناعي ويحمل رسالة انبعاثه معنويا وفكريا ومرتبطا بأمة عظيمة متحررة...( وهنا يقصد فرنسا)".
التف حول فرحات عباس المنتخبون والأعيان والسياسيون الذين شاركوا في بعث بيان فبراير 1943 ومنهم المحاميان احمد بومنجل وقدور ساطور والأطباء مثل احمد الشريف سعدان واحمد فرنسيس والأساتذة مثل محداد وحميد بن سالم وبن قادة وغيرهم.
لقد شارك الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في الانتخابات التشريعية في 02 جوان 1946 وفاز بنسبة 72.5% من الأصوات اي 11 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي الثاني من مجموع 13 مقعدا مخصصة للمسلمين ومن الذين رشحهم الحزب في الانتخابات الدكتور سعدان من عمالة الجزائر والذي كان تدخله في جلسة 23 أوت 1946 حازما ومغضبا للفرنسيين، وحتى فرحات عباس قال عبارة أخرى جاء فيها مايلي:"...أيها السادة لقد صبرنا على سماع مكروه قولكم مدة 117 سنة فهل صبرتم على سماع صوتنا ساعة...".
كان فرحات عباس يؤمن بفكرة الثورة بالقانون وعلى هذا الأساس قدم أمام نواب البرلمان الفرنسي مشروع تأسيس الجمهورية الجزائرية وقد احتوى على مايلي:
ان تعترف الجمهورية الفرنسية بالاستقلال الذاتي التام للجزائر وبالراية الجزائرية
ان تكون الجمهورية الجزائرية عضوا في الاتحاد الفرنسي .
تتمتع الجمهورية الجزائرية بالسيادة المطلقة في جميع القطر الجزائري وتشرف على جميع المرافق الداخلية وحتى الشرطة.
يتمتع كل فرنسي في الجزائر بالجنسية الجزائرية وعليه يمتع بجميع الحقوق المخولة للمواطن الجزائري ومن جهة اخري يتمتع الجزائري في فرنسا بالجنسية الفرنسية وبجميع الحقوق المخولة للمواطنين الفرنسيين.
تكون اللغة العربية والفرنسية اللغتان الرسميتان في الجمهورية الجزائرية ويكون التدريس إجباريا بهاتين اللغتين.
ان المدارس الفرنسية العمومية الموجودة في الجزائر تبقى عى حالها الراهن.
إبقاء الحق للحكومة الفرنسية في بناء المدارس إلا أن مصاريف هذه المدارس تتحملها الميزانية الفرنسية.
لقد سعى الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري إلى إقناع الجمعية التأسيسية الفرنسية بقبول مشروعه بهدف إنشاء جمهورية جزائرية مستقلة ذاتيا لكن مرتبطة فيدراليا مع الاتحاد الفرنسي تقوم على أساس ازدواج جنسية فرنسيي الجزائر والجزائريين، لكن ذلك كان بدون جدوى ورفض مشروع فرحات عباس وصوتت الجمعية التأسيسية في 05 أكتوبر 1946 على قانون يتم بموجبه التمييز بين الهيئتين الانتخابيتين.
وعندما قامت الجمهورية الفرنسية الرابعة أدركت تحقيق بعض الإصلاحات لمراوغة الجزائريين مرة أخرى فأصدرت دستور 20 ديسمبر 1947 الذي لم يرقى الى طموحات الاندماجيين فقدموا استقالتهم من مجلس الجمهورية احتجاجا على ذلك.
حركة انتصار الحريات الديمقراطية ( المزج بين العمل السياسي العلني والتحضير السري للثورة)
على اثر قرر العفو العام الصادر بتاريخ 16 مارس 1946 عاد مصالي الحاج من منفاه ببرزافيل وسمح له الدخول الى الجزائر، وكبر في أعين الشباب الجزائري نظرا لما عاناه في سجنه ومنفاه،كما أصبح يعتبر الأب الروحي للحركة الوطنية الجزائرية، وسمح له بالعودة لممارسة النشاط السياسي من جديد حتى ان الاشتراكيون الفرنسيون اتصلوا به وشجعوه بالمشاركة في الحياة السياسية.
ففي 10 نوفمبر 1946 نظمت انتخابات برلمانية فرنسية لتعيين 31 نائبا بالمجلس الوطني الفرنسي في الجمهورية الفرنسية الرابعة حيث قدم حزب الضعب الجزائري مرشحيه باسمه لكن الإدارة الاستعمارية رفضت القائمة بحجة ان حزب الشعب قد حلّ منذ 1939 فاستدعى الأمر تقديم نفس القائمة باسم تشكيلة سياسية مغايرة قوقع الاختيار على تسمية حركة انتصار الحريات الديمقراطية فظهرت في شهر نوفمبر نوفمبر 1946.
وبالرغم من مشاركة الحركة في انتخابات 10 نوفمبر 1946 الا ان ذلك خلق مشاكل داخلية بين أعضائها، ومن هذا المنطلق ارتأت قيادتها الى توضيح الا مر فعقدت مؤتمرا استثنائيا يومي 15-16 فبراير 1947 ضم قرابة 60 مندوبا حيث خرج المؤتمرون بقرارات أرضت جميع تيارات الحركة:
أنصار العمل السري: قرروا الإبقاء على حزب الشعب الجزائري وكان على رأسهم احمد بودة.
أنصار الشرعية: قرروا ترسيم حركة الانتصار للحريات الديمقراطية مثل شوقي مصطفاي ،السعيد عمراني.
أنصار العمل الثوري: انشأوا المنظمة الخاصة السرية وكان يمثلهم محمد بلوزداد.
ورغم اختلاف الرؤى فان حركة الانتصار للحريات الديمقراطية واصلت نشاطها السياسي وشاركت في الانتخابات البلدية في شهر اكتوبر بعد صدور القانون الخاص بالجزائر في 20 سبتمبر 1947 واستطاعت ان تحصل على 33% من المقاعد المخصصة للهيئة الانتخابية الثانية ( الجزائريين) محققة نتائج باهرة في عدة مدن جزائرية كالجزائر ووهران ،قسنطينة، عنابة، مستغانم، سيدي بلعباس، سوق اهراس ، تبسة.
انضم الى حركة انتصار الحريات الديمقراطية مجموعة من المثقفين بالعربية والفرنسية مثل الامين دباغين وحسين الأحول ومحمد خيضر واحمد مزغنة، بن يوسف بن خدة، كما أصدرت عدة صحف كجريدة المغرب العربي (جوان 1947) ،جريدة المنار (1951)، كم كان لها منشورات سرية مثل الأمة الجزائرية ( جوان 1946) و صوت الأحرار ، الجزائر الحرة (1949-1951).
لقد امتد نشاط حركة انتصار الحريات الديمقراطية خارج الجزائر حيث كانت الممثل الوحيد للجزائر في الاتفاق الموقع بين الحزب الدستوري التونسي والاستقلال المغربي سنة 1946 وفي لجنة تحرير المغرب العربي التي تأسست سنة 1948 ، كما رافعت في المهرجانات العالمية للشباب والسلام مثلا في براغ 1947 ، بودابست 1949، وفي شهر نوفمبر سنة 1948 وبالتنسيق مع حزب الاستقلال المغربي والدستوري التونسي قدمت مذكرة لهيئة الأمم المتحدة اقترحت فيها حلولا للازمة المغاربية والمثمثلة فيما يلي:
إلغاء نظام الاستعمار بشمال إفريقيا والاعتراف باستقلال الجزائر وتونس والمغرب الأقصى.
انتخاب مجالس تأسيسية في الدول الثلاث.
المراجع المعتمدة:
بوعزيز يحي، سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية من 1830 الى 1954 ،عالم المعرفة للنشر والتوزيع، الجزائر ،2009.
حميد عبد القادر، فرحات عباس رجل الجمهورية، دار المعرفة، الجزائر،2007.
شارل روبير آجيرون، تاريخ الجزائر المعاصرة من انتفاضة 1871 الى اندلاع حرب التحرير (تر:جمال فاطمي وآخرون)، شركة الامة للطاعة والنشر والتوزيع، المجلد الثاني، الجزائر ، 2008.
مهساس احمد ، الحركة الوطنية في الجزائر 1914- 1954، دار المعرفة، الجزائر،2007.
تاريخ الجزائر المعاصر 2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 8
أوضاع الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945
الوضع العام في الجزائر عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية:
لم تكن الجزائر بمنأى عن العالم عشية الحرب العالمية الثانية ؛ وباندلاعها عرفت ظروفا استثنائية وإجراءات أمنية أدت إلى توقيف الجمعيات والأحزاب نشاطها العادي، فقادة حزب الشعب القدماء كانوا في السجون والمنفى وصودرت جريدتهم في فرنسا، واضطرت جمعية العلماء المسلمين إلى وقف جريدتها "البصائر" وأوقف ابن باديس مجلته" الشهاب"، ولم يلب ثان ادركه الموت في 16 ابريل 1940 ، بينما فرضت الإقامة الجبرية على البشير الإبراهيمي في منطقة آفلو ( الاغواط)، وقد خالف العقبي زملاءه فاصدر جريدة " الإصلاح"، وتقلص نشاط المدرسين في المدارس الحرة.
أما النواب فقد خفت صوتهم حيث تجند ابن جلول وفرحات عباس في صفوف الجيش الفرنسي للدفاع عن فرنسا، واضطرب نشاط الشيوعيين تبعا لموقف موسكو من الحرب، وحتى اليهود الذين تحصلوا على الجنسية الفرنسية بموجب قانون كريميو؛ وبمجرد ان اصبحت الجزائر تابعة لنظام " حكومة فيشي " بقيادة المارشال "بيتان" رفعت عنهم الجنسية الفرنسية وعوملوا معاملة الاهالى كما كانوا قبل 1870 .
لقد تجند الجزائريون في الحرب العالمية الثانية تحت طائلة قانون التجنيد الإجباري وسيقوا أفواجا إلى الجبهات الأوروبية ، وقد اقتنع البعض منهم بالدعاية الفرنسية والغربية التي كانت تروج بان الحرب من اجل انتصار الديمقراطية على الأنظمة الديكتاتورية وأنها في النهاية إعطاء الحقوق للشعوب المستعمرة بالإضافة إلى الدعاية الألمانية والايطالية التي كانت تخبر الجزائريين بأنهم سينالون حريتهم إذا أيدوا قضية المحور.
لقد حكم نظام فيشي في فرنسا ابتداء من جوان 1940 واضطربت الأوضاع في الجزائر تبعا لذلك، وحتى بين الفرنسيين أنفسهم اذ كان من يؤيد المارشال بيتان وفيهم من يؤيد الجنرال ديغول، كما كثرت الجوسسة بينهم استعدادا لنزول الحلفاء في نوفمبر 1942 ،ضف الى ذلك تغير الحكام العامون في الجزائر عدة مرات وفي ظرف قصير، وساءت الأحوال الاقتصادية فشحت المواد الغذائية وجاء "عام الشر" او مايعرف " عام البون" فانقطع التزود بالسكر والقهوة والشاي والسميد، وكثرت الأمراض ومنها " التيفوس" او ماتعرف بالحمى الصفراء التي تسببت في مقتل الآلاف من الجزائريين.
النشاط السياسي للجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 :
أ/ بيان فبراير 1943:
بعد سقوط فرنسا في قبضة الألمان سنة 1940 سرح الكثير من الجزائريين من الحرب ومن بينهم فرحات عباس حيث عاد إلى الجزائر واشتغل بممارسة الصيدلة والسياسة كما قام بالكتابة والتأليف، وظل يبحث عن طريقة للعودة للنضال السياسي، فأرسل رسالة الى المارشال بيتان يلفت فيها نظره إلى وضع الجزائريين وكانت هذه المحاولة منفردة لان معظم قيادات الحركة الوطنية كانت تقبع في السجون اوالمنفى اوالاقامة الجبرية الا هو وكان لابد للميدان من فارس.
كان الحلفاء بقيادة أمريكا وبريطانيا يعدون بتطبيق مبادئ ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة الجديد فرأى فرحات عباس وفريقه نوعا من الأمل، ورغم وجود مصالي الحاج في السجن والبشير الإبراهيمي تحت الإقامة الجبرية وابتعاد ابن جلول عن السياسة فان فرحات عباس اغتنم فرصة نزول الحلفاء بالجزائر في 08 نوفمبر 1942 واخذ يتصل بممثليهم ولا سيما "روبرت مورفي" و"ماكميلان" لمعرفة موقفهم من مصير الشعب الجزائري، لكن الحلفاء وعلى لسان ممثليهم كانوا دائما يقولون بأنهم جاءوا للحرب وليس من اجل السياسة؛ وأمام هذا الرد فان فرحات عباس عزم على كتابة بيان باسم الشعب الجزائري وتقديمه إلى الحلفاء وقبل القيام بذلك استشار زملاءه النواب في مجلس الوفود المالية وزملاءه السياسيين المعتقلين فزار مصالى الحاج في سجنه وتشاور مع قادة جمعية العلماء المسلمين وتوصل معهم الى نقاط أساسية ليضمنها للبيان الذي احتوى على النقاط الآتية:
إدانة الاستعمار وإلغائه وذلك بتحريم استغلال شعب من طرف شعب آخر.
تطبيق تقرير المصير لجميع الشعوب الصغيرة والكبيرة.
منح الجزائر دستورا خاصا بها.
المشاركة الفورية والفعالة للمسلمين الجزائريين في حكومة بلادهم
إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من جميع الأحزاب.
لقد صاغ فرحات عباس البيان وقدمه في شهر فبراير 1943 في عدة نسخ الى كل من ممثلي الحلفاء وكذا الحكومة المصرية وباقتراح من " اوغسطين بيرك" ( مسؤول الادارة الاهلية بالجزائر) ذيّل فرحات عباس البيان بملحق تطبيقي ، ولكن الحلفاء لم يلبثوا ان رحلوا من الجزائر لتحرير ايطاليا ثم فرنسا وبقيت الجزائر مقرا للجنة فرنسا الحرة بقيادة ديغول
ب/ حركة احباب البيان والحرية (14 مارس 1944):
لم يلقى بيان فبراير تفاعلا واستجابة من طرف الحلفاء ولا من الفرنسيين فتطورت لدى فرحات عباس فكرة تحويل البيان إلى حزب وطني كبير وهذا ما تحقق بظهور حركة أحباب البيان والحرية يوم 14 مارس 1944 التي لاقت اجماعا من طرف الاندماجيون والاستقلاليون وحتى جمعية العلماء المسلمين في حين ان الشيوعيين رفضوا الفكرة وانشئوا جمعية منافسة أطلقوا عليها اسم " أحباب الديمقراطية".
تكونت حركة أحباب البيان والحرية بهدف الدفاع والتعريف ببيان الشعب الجزائري من جهة، ومن جهة ثانية إقامة جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا وفي هذا الصدد أعلنت عن إنشاء صحيفة لها تصدر باللغة الفرنسية سميت "المساواة "وفتحت أبواب الانخراط فيها وكثرت الاجتماعات، وقد شددت لهجتها يوم أعلن الفرنسيون بقيادة ديغول"...بأنهم سيكافئون النخبة الجزائرية على خدماتها وذلك بمنح الجنسية الفرنسية لعدد من أفراد النخبة الاندماجية دون مطالبتهم بالتخلي عن الأحوال الشخصية الاسلامية..."، وقد رأى ذلك الجزائريون بانه استهتارا بتضحياتهم في الحرب العالمية الثانية.
إن حركة أحباب البيان والحرية جمعت حولها العلماء والمنتخبين ومناضلي حزب الشعب الجزائري المحلّ الذين كانوا في المراكز الطلائعية للحركة ويشددون أكثر فأكثر على مواقفهم الاستقلالية وهذا ماادى إلى ظهور خلاف بينهم وبين الاندماجيين في مؤتمر شهر مارس 1945 الذي رجح سياسة حزب الشعب الجزائري من خلال ماخر جبه من مطالب والتي جاءت كما يلي:
الاعتراف بالجنسية الجزائرية
اعداد دستور جزائري ديمقراطي
استبدال المجالس الجزائرية ببرلمان منتخب.
استبدال الحكومة القائمة بحكومة جزائرية
الاعتراف بالعلم الجزائري.
كما صوّت المؤتمر على مذكرة تؤيد على إطلاق سراح مصالي الحاج الذي وصف بزعيم الشعب الجزائري بلا منازع كما نجح الاستقلاليون الى دفع حركة أحباب البيان والحرية الى التصلب في مواقفها.
احداث 08 ماي 1945:
كان للدعاية التي ألقاها الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وصدور ميثاق الأطلسي ووعود الجنرال ديغول بمنح الحكم الذاتي للمستعمرات الفرنسية بعد الحرب صدى كبيرا لدى الجزائريين، ومما زاد الحركة الوطنية تصلبا في مواقفها وإصرارها على المطالبة بالاستقلال باسم حركة أحباب البيان والحرية وظهر ذلك في مؤتمر الحركة المنعقد في الفترة مابين 02 و04 مارس 1945.
ومن جهتها سارعت السلطات الاستعمارية مرة اخرى الى اعتقال مصالى الحاج في 18 افريل 1945 ( كان قد استفاد من العفو) ووضعه بمعتقل بوغار مما تسبب في مظاهرات وطنية مطالبة بإطلاق سراحه وتحت ضغط الاحتجاجات نقل الى معتقل قصر الشلالة ثم الى المنيعة بالصحراء الجزائرية ومنها نفي الى برزافيل بالكونغو في 23 افريل 1945.
وعند حلول الفاتح ماي 1945 ( العيد العالمي للعمال) نظم حزب الشعب مظاهرات سلمية حمل فيها المتظاهرون لافتات تندد بالاستعمار وتنادي بحرية الجزائر وتقرير المصير والاستقلال وإطلاق سراح المساجين السياسيين ، وقد أسفرت عن العديد من القتلى والجرحى بالاضافة الى حملة الاعتقالات.
وفي اليوم الثامن من ماي 1945 قرر قادة الحركة الوطنية القيام بمظاهرات شعبية بمختلف المدن الجزائرية احتفالا بانتصار الحلفاء على المحور، ففي مدين سطيف طالب الحزائريون الترخيص لهم بمسيرة الى قبر الجندي المجهول، حيث تجمع عدة آلاف من السكان في المكان المتفق عليه وهو وسط مدينة سطيف واصطفت الصفوف استعدادا للمسيرة ثم أعطيت الأوامر بالتقدم نحو نصب الجندي المجهول وعند الخطوات الاولى نشر الشاب بوزيد سعال العلم الجزائري وتقدم به الصفوف( علما انه من شروط الحصول على الترخيص من الادارة الفرنسية هو عدم إظهار العلم الجزائري في المسيرة) ثم سمعت هتافات مختلفة منها أطلقوا سراح مصالى الحاج، تحيا الجزائر المستقلة،تحيا الجامعة العربية، فواجهت الشرطة الفرنسية هذه المسيرة السلمية بهمجية ووحشية وأطلقت الرصاص على المتظاهرين وأصيب بوزيد سعال حامل العلم واضطربت الاوضاع وتفرقت الجموع وحدثت صدامات بينهم وبين الشرطة والمدنيين الاوروبيين وتحركت المليشيات الأوروبية والشرطة لسحق الثورة؛ فقصفت الطائرات مداشر وقرى سطيف وقالمة وخراطة، كما قصقت السفن الفرنسية سواحل بجاية ،وساد التعتيم الإعلامي فلم ينشر خبر المجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين الا بعد مرور شهر واختلفت تقديرات الضحايا.
لقد ساد الجزائر بعد احداث 08 ماي 1945 حالة السكون فنصبت المحاكم وأعلنت حالة الطوارئ وامتلأت السجون وقيّد فرحات الى سجن الكدية بقسنطينة وهو الذي كان في نفس اليوم المصادف للأحداث في الولاية العامة بالعاصمة لتقديم التهاني للحاكم العام الفرنسي من اجل تقديم التهاني بانتصار الحلفاء على المحور، كما منعت السلطات الفرنسية صدور الجرائد والتحركات السياسية فكان ذلك هو جزاء فرنسا للجزائريين على تضحياتهم من اجل تحريرها.
إن أحداث 08 ماي 1945 جعلت الشعب الجزائري يبقى مجندا في سبيل قضيته، ومؤشرا عن نهاية الوجود الاستعماري بالجزائر في الآجال القريبة ومنطلقا لتفجير ثورة اول نوفمبر 1954 وان ما خذ بالقوة لا يسترجع الا بالقوة.
المراجع المعتمدة:
شارل روبير آجيرون، تاريخ الجزائر المعاصرة من انتفاضة 1871 الى اندلاع حرب التحرير (تر:جمال فاطمي وآخرون)، شركة الامة للطاعة والنشر والتوزيع، المجلد الثاني، الجزائر ، 2008.
سعد الله ابو القاسم، خلاصة تاريخ الجزائر المقاومة والتحرر 1830-1962، دار الغرب الاسلامي ، بيروت، 2007.
فرحات عباس، ليل الاستعمار (تر:ابو بكر رحال) دار الجزائر للكتاب، الجزائر، 2011.
قداش محفوظ وصاري الجلالي، الجزائر صمود ومقاومات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2012.
قداش محفوظ، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (تر: امحمد بن البار) دار الامة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزء الاول، الجزائر، 2008.
تاريخ الجزائر المعاصر2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 7
المؤتمر الإسلامي الجزائري 1936-1939
يعتبر المؤتمر الإسلامي الجزائري المنعقد في 07 جوان 1936 بالعاصمة، أول تجمع من نوعه يتشكل في الجزائر، وتعود فكرة عقده إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي دعا في جريدة لادفانس (La défense) التي تدافع عن توجهات جمعية العلماء المسلمين، إلى اجتماع جميع الأحزاب الجزائرية في مؤتمر إسلامي ( أو جبهة وطنية) لأجل طرح مطالب يتقدمون بها إلى السلطات الفرنسية.
دواعي تشكيل المؤتمر الإسلامي الجزائري : انطلقت الدعوة إلى تشكيل هذا التكتل السياسي، من الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين والصالح بن جلول رئيس فيدرالية المنتخبين لقسنطينة، وقد استجابت فئات كثيرة لدعوة الرجلين لوزنهما السياسي والاجتماعي في قسنطينة بشكل خاص والجزائر بشكل عام. وتؤكد البحوث التاريخية، أن النقطة التي التفت حولها العديد من أطياف الحركة السياسية في الجزائر، لتشكيل المؤتمر الإسلامي، هي مشروع بلوم فيوليت الذي تضمن برنامجا إغرائي تمثل في منح الجنسية الفرنسية للعدد من الجزائريين مع إمكانية المحافظة على أحوالهم الشخصية الإسلامية، إلغاء قانون الانديجينا( هذا القانون الذي يمثل جوهر مطالب الأطياف السياسية والشخصيات الجزائرية)، والتمثيل النيابي للجزائريين على عهد فوز الجبهة الشعبية في الانتخابات التشريعية في ماي 1936 واستئثارها بتشكيل الحكومة رئاسة ليون بلوم Leon Blum
انعقاد المؤتمر الإسلامي : انعقد المؤتمر الإسلامي في العاصمة يوم 07 جوان 1936، حضره ممثلون عن جمعية العلماء المسلمين ( عبد الحميد بن باديس، الطيب العقبي، البشير الإبراهيمي، مخمد العيد آل خليفة)، ومجموعة من النواب عن فيدراليات المنتخبين الجزائريين للعمالات الثلاث منهم ( تامزالي، بن جلول، بن تهامي، فرحات عباس، وغيرهم) كما حضرت شخصيات فرنسية من أحزاب يسارية معتدلة ( الحزب الاشتراكي الفرنسي). وقد سبق انعقاد المؤتمر؛ يوم تمهيدي بنادي الترقي التقى فيه أنصار الفكرة، وتفاوض الحاضرون حول جميع المسائل التي يمكن أن تطرح في المؤتمر ، وانتخب المؤتمر لجنة مؤقتة متكونة من أمين لعمودي ممثلا عن العلماء، لشاني ممثلا عن النخبة، عمر أوزقان ممثل الحزب الشيوعي الجزائري، مسطول عن نجم شمال أفريقيا، تتولى تسيير أعماله، كما قامت اللجنة بتنظيم حملات إعلامية وتأسيس لجان للمؤتمر في جميع مناطق الجزائر.
وفي سياق الإعداد للمؤتمر، ذكرت جريدة البصائر؛ أن المؤتمر يمثل اللبنة الاولى في بناء صرح الأمة الجزائرية، وقالت جريدة لادفانس La Défence أيضا؛ أن المؤتمر الإسلامي يمثل بداية كفاح لا هوادة فيه، وأن الجزائري الذي ليس لديه ما يخسره، مصمم على الكفاح حتى النهاية وبجميع الوسائل.
وأثناء انعقاد المؤتمر تقدم نواب الفيدراليات الثلاث، وجمعية العلماء المسلمين بمطالب منها ( إلغاء قانون الانديجينا، فصل الدين عن الدولة، تعليم اللغة العربية، تنظيم القضاء في الجزائر، إلغاء الولاية العامة ومنصب الحاكم العام، إلغاء البلديات المختلطة والمناطق العسكرية، إلغاء منصب القياد والمحاكم العسكرية، استبدال المندوبيات المالية ببرلمان جزائري. ورفعت توصيات المؤتمر، أطلق عليها مطالب الأمة الإسلامية، وأسندت رئاسة المؤتمر الإسلامي إلى الصالح بن جلول، وتألف المكتب من النواب للفيدراليات للعمالات الثلاث، العلماء والشبان.
وكان من الشخصيات المعروفة؛ ممثلو جمعية العلماء المسلمين ( الشيخ عبد الحميد بن باديس، الطيب العقبي، البشير الإبراهيمي) ممثلو النواب عن الجزائر ( الدكتور تامزالي، الدكتور عبد الوهاب، الدكتور بوكردنة) عن قسنطينة ( عبد الرحمن بن خلاف، الدكتور سعدان، الدكتور فرحات عباس) عن وهران ( محمد بن سليمان، الدكتور الجيلاني بن تهامي، محمد لالوت). كما تقرر أثناء المؤتمر تشكيل وفد يسافر إلى باريس لمقابلة رجال الدولة الفرنسية ( رئيس الوزراء، بعض الوزراء، وبعض النواب المتعاطفين مع مطالب ممثلي الشعب الجزائري)، وضمت اللجنة التنفيذية ممثلين عن جمعية العلماء المسلمين، فيدرالية المنتخبين الجزائريين. لما عاد الوفد من باريس ( فرنسا) تقرر عقد لقاء شعبي في الملعب البلدي في الجزائر العاصمة يوم 02اوت1936، حضره الآلاف من المؤيدين للمؤتمر الإسلامي الجزائري ومن عامة الشعب، وكان الوفد ممثل من العلماء والحزب الشيوعي الجزائري، والنواب، وحزب الشعب الجزائري، مع العلم أن هذا الأخير لم يك في الوفد يوم زيارته لباريس؛ لأنه رفض تبني وجهة نظر المؤتمر ومطالبه في الشق السياسي ( ضم الجزائر وإلحاقها بفرنسا)، لأن ذلك يعني استكمال الاحتلال الفرنسي للجزائر وتأييده؛ وهذا لا يجوز. تدخل يومها مصالي الحاج رئيس نجم شمال أفريقيا، وألقى خطبته الشهيرة، وبذلك الموقف تعرف الحاضرون من جماهير الشعب الجزائري على توجهات النجم، وأصبح زعيم الوطنية في الجزائر.
ظل اعضاء المؤتمر الإسلامي الجزائري يدافعون عن مطالبهم، حيث ازداد النواب من الفيدراليات الثلاث تشبثا بما يطرحه مشروع فيوليت. ونفس الموقف كان عند العناصر الأخرى من النخبة الجزائرية المفرنسة خاصة من الحزب الشيوعي الجزائري، وعناصر من المعلمين الجزائريين. ولما انعقد المؤتمر الإسلامي الثاني في 09-11جوان1937، أعلن اعضاء المؤتمر، من النواب والجمعية وغيرها من الأطياف الأخرى، عن تمسكها بمطالب المؤتمر الأول، وطلب من نواب فيدرالية المنتخبين الجزائريين في جميع الهيئات الانتخابية، بالاستقالة الجماعية إذا لم يوافق البرلمان على مشروع فيوليت.
موقف المستوطنين الفرنسيين من المؤتمر الإسلامي الجزائري : واجه المؤتمر معارضة شديدة من المستوطنين الذين رفضوا مشروع بلوم-فيوليت، و رأوا فيه تهديدا لمصالحهم، بمنحه الجنسية الفرنسية للجزائريين، وحق التمثيل النيابي. وفي تلك الظروف المشحونة سياسيا، هدد برلمانيون فرنسيون بالاستقالة إذا قدم مشروع فيوليت للمناقشة في البرلمان الفرنسي، كما قدم حوالي 250 من رؤساء البلديات في الجزائر استقالاتهم من مناصبهم في 06مارس1937، وذكرت جريدة لوطان Le temps الباريسية في 11مارس1937، أن الاستقالات الجماعية لرؤساء البلديات المعارضين لمشروع بلوم-فيوليت، بلغت حوالي 321 رئيس بلدية، وأشارت الصحافة الفرنسية في الجزائر، أن نسبة استقالات رؤساء البلديات بلغت في قسنطينة حوالي 92% ، في عمالة الجزائر بلغت 88% وفي عمالة وهران وصلت النسبة 58%.
وفي تلك الأثناء شنت الصحافة الفرنسية المتطرفة حملة شرسة على حكومة الجبهة الشعبية ورئيس الوزراء ليون بلوم، وخاصة موريس فيوليت، الذي وصفته بـ"موريس الطاعون"، "موريس العربي". كما ازداد ضغط المستوطنين لكي لا يمرر مشروع فيوليت على البرلمان، وطالب الحاكم العام الفرنسي في الجزائر جورج لوبو George Le beau من وزير الداخلية الفرنسي في حكومة ليون بلوم بألا يقدم المشروع إلى البرلمان للمناقشة.
مصير المؤتمر الإسلامي الجزائري : عرف المؤتمر الإسلامي ظروفا صعبة، مما جعل أمر استمراره وبقائه أمرا مرهون بالموافقة على مشروع فيوليت، وكذا التوافق بين أعضائه في المواقف. وتشير الدراسات التاريخية إلى جملة من الأسباب التي عجلت بنهاية هذا التكتل السياسي الأول من نوعه في الجزائر في الفترة الاستعمارية خلال الثلاثينيات من القرن العشرين. ومن جملة الأسباب التي أدت زواله ، خلافات داخل المؤتمر الإسلامي، بين نجم شمال أفريقيا والحزب الشيوعي الجزائري من جهة، وبين النجم النواب الفيدراليين من جهة أخرى، وكذلك قضية مقتل مفتي الجزائر كحول بن دالي يوم02أوت1936، إذ اتهم الطيب العقبي باغتياله وبالتالي فقدت الجمعية تأثيرها ووزنها داخل المؤتمر بتشويه أحد العناصر الفاعلة والمؤثرة في المؤتمر. وما زاد الوضع سوءا داخل المؤتمر، اعتراف الصالح بن جلول بضلوع العلماء في مقتل المفتي كحول حيث قال بعد حادثة الاغتيال : " أنه لا يشترك في حركة تعمد إلى القتل وإغماد الخناجر في قلوب المعارضين" ، وحول ذلك الموقف يقول أبو القاسم سعد الله : " فعلى اثر ذلك وافق ابن جلول على اتهام العلماء بالاغتيال واستقال من منصب رئاسة المؤتمر " إضافة إلى تصريحات الرجل في 04أوت 1936، حيث قال: " نحن لسنا شيوعيين ليس لدينا ما يجمعنا بالشيوعية ولا نريد معرفتها، فما بالكم بإتباعها، وأقولها لكم مرة أخرى من كل أعماقي، بعد خطاب مصالي وبعد اغتيال المفتي بن دالي كحول، انهارت الجسور، فكل ما ليس فرنسي فسوف يكون بالنسبة لي منبوذا وسوف ألاحقه بلا رحمة..."
ولما سقطت حكومة الجبهة الشعبية برئاسة ليون بلومLeon Blum ، خلفتها حكومة دلاديه Daladier، اتصل وفد المؤتمر الإسلامي ( فرحات عباس، عبد الحميد بن باديس ) برئيس الوزراء الفرنسي والسلطات الفرنسية في باريس في مارس 1938 للحديث عن مطالب المؤتمر، وعرض مشروع فيوليت على البرلمان، فأجابهم دلاديه بأن البرلمان الفرنسي معارض لمشروع فيوليت، وأن هذا الأخير لا يتناسب مع الحالة الشخصية الإسلامية، وقال لهم قولا قاسيا + أمام هذا الوضع، فإني لا أستطيع أن أتولى أي شيء، إنني أسألكم أن تعينوني على الإبقاء على النظام ولا تضطروني إلى استعمال القوة التي تملكها فرنسا لان فرنسا أمة قوية " ورد عليه فرحات عباس + على الحكومة الفرنسية أن تتحمل مسؤولياتها أمام التاريخ وأن احترام حق الفرد أكثر أهمية من أفضل الأسلحة " أما بن باديس فرد عليه : + ليس هناك سلطة ولا قوة سوى سلطة وقوة الله، فقضيتنا عادلة وسنواصل الدفاع عنها ضد كل من يقف في طريقها "
الخاتمة : يعتبر المؤتمر الإسلامي الجزائري أول تجمع سياسي عرفته الجزائر في الثلاثينيات من القرن العشرين، استطاع أن يجمع بين الأطياف السياسية، كما لعبت فيه شخصيات جزائرية دورا أقلقت الإدارة الفرنسية. وهذا الدور ليس فقط لأجل تطبيق مشروع موريس فيوليت الإصلاحي، إنما في قدرتها على تعبئة الروح الوطنية لدى الجزائريين، خاصة ما قامت به، جمعية المسلمين الجزائريين ونجم شمال أفريقيا. ولم يسلم هذا التكتل السياسي( المؤتمر الإسلامي) من مضايقات المستوطنين المتطرفين حيث أجبروا الإدارة الفرنسية على التخلي عن مشروع فيوليت، وكان رد دلاديهDaladier رئيس الوزراء الفرنسي في مارس 1938، بمثابة المسمار الذي دق في نعش السياسة الإصلاحية الفرنسية المزعومة، ونهاية عهد الاندماجيين الجزائريين. ولما حلت الحرب العالمية الثانية عاشت الجزائر ظروفا أثرت على مسار الحركة الوطنية الجزائرية وحركتها المطلبية.
المراجع المعتمدة
- أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986.
- محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
- محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
-يحي بوعزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه، دار البصائر 2009.
- لونيسي إبراهيم، تداعيات اغتيال المفتي كحول بن دالي على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
والمؤتمر الإسلامي الجزائري 1936-1939، المجلة الجزائرية للبحوث والدراسات التاريخية المتوسطية، المجلد 5 العدد10، ديسمبر2019.
تاريخ الجزائر المعاصر 2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم :6
التيار الإصلاحي ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)
1931- 1939
توطئة : يذكر أن حركة الإصلاح، لم تبدأ بجمعية العلماء المسلمين، وإنما الحركة قد تبلورت على يد بن باديس وتلاميذه وأنصاره خلال العشرينيات من القرن العشرين، إذ عرفت الجزائر كغيرها من البلدان العربية نشاطا في الصحافة الإصلاحية وتأسيس النوادي والمدارس الحرة ومساجد الوعظ والإرشاد، وكان المصلح عبد الحميد بن باديس المحرك لهذه الحركة الإصلاحية بشخصه، قلمه، ولسانه.
تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين : برزت جمعية العلماء الجزائريين في يوم 05 ماي 1931بنادي الترقي بالجزائر العاصمة، واستجاب عدد كبير للنداء الذي أطلقته جريدة الشهاب منذ 1925، دعت فيه المثقفين المسلمين إلى تشكيل حزب ديني، يهدف إلى تنقية الدين من الخرافات و المعتقدات الخاطئة التي أدخلها إليه الجهلة، وحضر حوالي 72 عالما جاؤوا من مختلف أنحاء الجزائر . كما انبثق عن المؤتمر التأسيسي للجمعية مجلس إداري مكون من ثلاثة عشر عضوا على رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس ، الذي غاب عن المؤتمر ، ولم يحضر إلا في اليوم الثالث، وتم انتخابه رئيسا للجمعية.
أهداف الجمعية : سع العلماء المؤسسون للجمعية إلى تحقيق أهداف اجتماعية من خلال برنامج شامل حددت له الوسائل لتحقيقه على المدى القصير والبعيد، ويذكر أبوالقاسم سعد الله، أن أهداف الجمعية تمثلت في إحياء الإسلام؛ بإحياء القرءان والسنة و اللغة العربية وآدابها وإحياء التاريخ الإسلامي.
وحسب فرحات عباس فإن أهداف الجمعية تمثلت في تجديد الإسلام ومجابهة المرابطين؛ أداة الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، وتكوين إطارات الثقافة العربية الإسلامية. ويقول آخر : " إن أهداف الجمعية تمثلت في فهم لغة القرءان والعودة إلى الثقافة الإسلامية القديمة واعتبرت المغرب العربي كقلعة للعبقرية الشرقية في وجه الغرب ...." وحسب المؤرخ شارل أندري جوليان، فإن الجمعية جاءت لتطهير الإسلام وتكوين كيان جزائري قائم على الثقافة العربية الإسلامية.
كما اعتمدت جمعية العلماء المسلمين في دعوتها وحركتها الإصلاحية على وسائل منها، المسجد، المدرسة، النادي والصحافة، فالمسجد كان للوعظ والإرشاد بطريقة؛ عمل العلماء في المجتمع الجزائري على فهم الدين ودوره في الحياة، وقد برع الإمام بن باديس في استعمال المسجد ، حيث كان يلقي الدروس في مسجد الأخضر بقسنطينة. أما المدرسة فكانت وسط تربوي ذو أهمية كبيرة، استطاعت جمعية العلماء استعماله، لاستمالة الجماهير والتعريف بالجمعية في وسط الناشئة، وكذلك تكوين إطارات متشبعة بالثقافة العربية الإسلامية، ومن بين المدارس التي اضطلعت بتلك المهمة، يمكن ذكر مدرسة دار الحديث في تلمسان وما قام به الشيخ البشير الإبراهيمي هناك. أما النادي فكان المقصد من إنشاءه التوعية وبعث الروح الوطنية بالخطب والمحاضرات والمسرحيات، وفي هذا السياق لعب علماء الجمعية دورا واضح في النوادي التي تأسست في مختلف جهات الجزائر، خاصة الدور الذي لعبه الشيخ الطيب العقبي في نادي الترقي.
أما الصحافة فكانت لسان ناطق بحال جمعية العلماء، ومنبرا للتعبير عن مواقفها من القضايا المختلفة التي تهم المجتمع الجزائري المسلم، والرد على أعدائها وخصومها من الإدارة الفرنسية وحتى رجال الدين الذين اعتمدت عليهم السلطات الاستعمارية، ومن الجرائد المعتمد عليها نجد الشهاب والبصائر.
ويؤكد أبو القاسم سعد الله، أن الطريق الذي انتهجته جمعية العلماء المسلمين، لم يك سهلا، وهذا نظرا لما اعتمدته السلطات الفرنسية لمواجهة الوطنيين الجزائريين سواء من الجمعية أو حتى التيارات السياسية الجزائرية الأخرى، وحسب رأيه أن الجمعية كانت تسعى لتحيق مبادئها وأهدافها بأية وسيلة مشروعة ، مما جعلها في الكثير من المسائل تصطدم مع جبروت الإدارة الاستعمارية التي كانت لا تتوانى في طرح القوانين والقرارات المقيدة.
علاقة جمعية العلماء المسلمين بالنواب ( فيدرالية المنتخبين الجزائريين) : تميزت العلاقة بين الطرفيين بالتقارب أحيانا والتنافر أحيانا أخرى، ولعل أهم موقف أبدته الجمعية تجاه النواب والنخبة المفرنسة، هو ذلك الرد الذي جاء في جريدة الشهاب على لسان عبد الحميد بن باديس حول مقال فرحات عباس في جريدة الوفاق بعنوان " فرنسا هي أنا"، حيث أفحم فيه فرحات عباس وقوض ما قاله، مما دفع بهذا الأخير زيارة عبد الحميد بن باديس في مكتبه وشرح له مقاصد مقاله " فرنسا هي أنا" وعلى إثر تلك الزيارة وما دار من حديث بين الرجلين ، نشر عبد الحميد بن باديس مقالا آخر شهد فيه أن فرحات عباس من أكمل الرجال، صاحب همة عالية وطهارة ضمير.
كما كانت جمعية العلماء المسلمين في جدل كبير مع النخبة المفرنسة و النواب حول مسألة التجنس، فكانت ترى في الإقبال عليه مع التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية؛ هو ردة عن الإسلام ومن يقبل به-أي التجنس-فإنه ليس بالمسلم ولا تجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين. بينما في مواقف أخرى نجد جمعية العلماء المسلمين في بعض المناسبات تتحالف مع النواب وكانوا يستنجدونهم، حينما كانت الإدارة الفرنسية تضيق على العلماء بفعل القوانين الجائرة التي كانت تصدرها للحيلولة دون تحقيق أهدافها. ولعل أهم تقارب وقع بين جمعية العلماء المسلمين والنواب وعناصر من النخبة المفرنسة، كان خلال تشكيل ما عرف بالمؤتمر الإسلامي الجزائري، حيث اجتمع الطرفان جنبا إلى جنب في المؤتمر الأول 1936 والمؤتمر الثاني 1937.
علاقة جمعية العلماء المسلمين بالفرنسيين : ساءت علاقة العلماء بطائفة من الفرنسيين ( رجال التبشير المسيحي) حيث اعتبر العلماء رجال الكنيسة أداة من أدوات الاحتلال الفرنسي للجزائر، إذ كانوا رفقة جيش الاحتلال الفرنسي وباركوا تحويل المساجد إلى كنائس، وساهموا في تمسيح بعض من الجزائريين خاصة الأيتام منهم ، على غرار ما قام الكاردينال لافيجري وجماعته.
موقف الإدارة الفرنسية من جمعية العلماء المسلمين: اتخذت جمعية العلماء المسلمين موقفا جادا تجاه القضايا التي كانت جوهر النقاش بين مختلف أطياف المجتمع الجزائري آنذاك، ومن القضايا التي طغت على الساحة السياسية مسألة التجنس والتمثيل النيابي و الإجراءات الإدارية ضد تعليم اللغة العربية. وكانت الإدارة الفرنسية مدركة للدور الذي تؤديه الجمعية في وسط الشعب الجزائري، مما جعلها تضيق على نشاطها، حيث صادرت صحافتها، وتشير احد الدراسات، أن الحاكم العام الفرنسي في الجزائر جول كارد بعث برسالة إلى عمالتي قسنطينة ووهران في 18اوت 1932 يحث فيها على مراقبة نشاط بن باديس في شرق البلاد وكذا نشاط البشير الإبراهيمي في غرب البلاد، كما أصدرت القوانين؛ كقانون ميشال 1933 ورينيه 30 مارس 1935، وفي 08 مارس 1938 أصدر مرسوم شوطان الذي يمنع فتح المدارس القرآنية بدون رخصة مسبقة، فاحتجت الجمعية على ذلك وطالبت بحرية التعليم العربي، حرية استعمال المساجد للوعظ والارشاد وحرية الصحافة العربية، وازدادت العلاقة بين جمعية العلماء والإدارة الفرنسية سوءا لما رفض الشيخ عبد الحميد بن باديس تأييد فرنسا في حربها ضد ألمانيا.
الخاتمة : أدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا كبيرا في المجتمع الجزائري، حيث مدت وجودها في كامل التراب الوطني، أين أقامت المدارس القرآنية، وأنشأت النوادي، مما جعلها تنال ثقة عناصر كثيرة من النخبة الجزائرية، وتمكن الشيخ عبد الحميد بن باديس من تأدية دور كبير منذ تأسيسها 1931 الى 1939 وهي السنة التي اندلعت فيها الحرب العالمية الثانية، هذه الحرب التي سيدخل فيها الوطنيون الجزائريون في نشاط سري، وأثناءها قام العلماء رغم الحضر والرقابة بدور هام.
:
لمراجع المعتمدة
1- أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986
2- محمد الميلي، المؤتمر الإسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
3-محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
4- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.
تاريخ الجزائر المعاصر2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 5
الحزب الشيوعي الجزائري1936/ 1939
1- ظهور الحزب الشيوعي الجزائري : تشير الكتابات التاريخية، أن ظهور الحزب الشيوعي الجزائري في بداية الأمر كفرع للحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر، ومع تبلور الحركة السياسية في الجزائر وظهر تيارات سياسية جزائرية، أوجد الحزب الشيوعي الفرنسي، حركة سياسية تابعة له في الجزائر، معطيا إياها الصبغة الجزائرية مع الثلاثينيات من القرن العشرين ، لذلك شهد عام 1936 ميلاد الحزب الشيوعي الجزائري ، وقد أتخذ قرار إنشائه أثناء انعقاد المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الفرنسي، أيام 22-24-25 جانفي 1936 بفليريبان Villeurbanne بفرنسا، وعلى إثر ذلك المؤتمر تلقى المناضلون الشيوعيون الضوء الأخضر لمباشرة التأسيس، فعقد الحزب الشيوعي الجزائري مؤتمره التأسيسي الأول في الجزائر بحي باب الواد، ما بين 17-18 أكتوبر 1936. وأصبح الفرنسي بارثل Barthel يتولى أمانته إلى جانب عمار أوزقان وبن علي بوقرط وشخصيات أخرى، وانتهى المؤتمر ببيان جاء فيه : + إنقاذ الجزائر من الانحطاط والدمار، لا يكون إلا بتحرير العامل والفلاح من وطأة الكولون – المستوطنون- ومن ظلم قانون الانديجينا – قانون الأهالي– وإن ذلك لا يتحقق إلا في إطار الحزب الشيوعي الجزائري من صميم الشعب ......" وأضاف البيان + نحن الشيوعيون نستمد كثيرا من تقاليد الجماهيرية والثورية من الشعب الفرنسي " وبعده شرع المناضلون الشيوعيون في تأسيس وتشكيل فروع للحزب على مستوى مناطق من الجزائر. ( قسنطينة، الجزائر وهران )
لقد اعتمد الحزب الشيوعي الجزائري على أسلوب الدعاية في التعريف بنفسه لدى الجماهير الجزائرية، ولأجل تلك المهمة أسس جرائد ناطقة باللغة الفرنسية والعربية منها : ( جريدة الجزائر الجديدة L’ Algérie nouvelle – الجزائر الجمهورية L’Algérie républicaine وجريدة الكفاح الاجتماعي La lutte sociale)، وتضيف أحد الدراسات، أن الحزب الشيوعي الجزائري، كان مشكلا في غالبيته من مناضلين فرنسيين وأوروبيين، ورغم أن نشاطه السياسي، كان يهدف الى جلب أكبر عدد ممكن من المنخرطين الجزائريين ( الأهالي الجزائريين)، إلا أن انخراطهم – يقصد الجزائريين- كان ضئيلا، وظلت الأفكار الشيوعية غير مقبولة لدى الفئات الشعبية الجزائرية، لعدم توافق أفكار الشيوعية مع العقيدة الإسلامية في نظر عامة الجزائريين..
وتؤكد أحد الدراسات، أن الحزب الشيوعي كان منبوذا ومعزولا عن الشعب الجزائري ( الأهالي الجزائريين)، رغم أن جرائده كانت تصدر نداءات باسم الشعب الجزائري المسلم والطبقة الجزائرية الفقيرة ( الفقيرة) التي كان يطلق عليها اسم طبقة البروليتاريا، وحاول الظهور بمظهر المؤيد للفقراء والمساكين وجميع المحرومين. وقد صرح الحزب الشيوعي الجزائري، في أكتوبر 1936، أنه يملك قاعدة نضالية في الجزائر بوجود 750 منخرطا من المسلمين الجزائريين، ووصل عدد المنخرطين عام 1937 حوالي 1100، بينما أخذ عدد المنخرطين يتراجع مع 1938. بسبب مواقفه السياسية المعادية لنزعة الاستقلال الوطني التي تتنافى وطموحات المسلمين الجزائريين، ويتجلى ذلك في ما قاله قدور بلقايم أمين الحزب الشيوعي الجزائري في المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الفرنسي المنعقد في مدين آرل Arles الفرنسية في شهر ديسمبر 1937: + إن المسلمين لا يريدون الطلاق مع فرنسا بعد الانجازات التي حصلوا عليها .......، إننا ندرك في الوقت الحاضر أن اتحاد شعب الجزائر بشعب فرنسا ضروري وسيظل ضروريا "،
وظل الحزب الشيوعي معارضا لفكرة الاستقلال، وكانت جريدة الكفاح الاجتماعي La lutte sociale الشيوعية ترى في المطالب الداعية إلى الاستقلال؛ معناه تقديم خدمة للفاشية العالمية . وأثناء الانتخابات المحلية ( انتخابات المقاطعات او العمالات) قال أحد المترشحين الشيوعيين : + إن الحزب الشيوعي المتمسك بحرية الشعوب، يرى بأنه يجب في الوضعية الحالية وأمام خطر الفاشية، أن يكون مصير شعب الجزائر مرتبطا بمصير شعب فرنسا ". يظهر أن الارتباط الذي جمع بين الحزب الشيوعي الجزائري بالحزب الشيوعي الفرنسي من جهة، وتركيبته البشرية ( أغلبية أوروبية) من جهة أخرى جعلت الحزب الشيوعي الجزائري، لا يلتقي أبدا بالحركات الوطنية الجزائرية الأخرى في مطالبها الأساسية، بل كان دائما يقف ضدها. ولما اندلعت الحرب العالمية الثانية، قامت الإدارة الفرنسية في الجزائر بإصدار قرار في 06 سبتمبر 1939 يقضي بحل الحزب الشيوعي الجزائري لارتباطه بالحزب الشيوعي الفرنسي المؤيد للنازية الألمانية.
2- برنامج ومطالب الحزب الشيوعي الجزائري : عرض الحزب الشيوعي الجزائري مطالبه وبرنامجه، ويظهر أن هذه المطالب لم تخرج عن توصيات الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي يتزعمه موريس توريزMaurice Torez ، ومما جاء في برنامجه ما يلي :
1- المطالبة بالمساواة في الحقوق بين الجزائريين والفرنسيين في اطار الاتحاد الفرنسي مؤقتا في انتظار تكوين دولة جزائرية اشتراكية مستقلة تضم كل الساكنة ( المسلمون – الفرنسيون- اليهود) على غرار الجمهورية السوفياتية.
2- المطالبة بجنسية مزدوجة ( جزائرية- فرنسية)
3- تكوين برلمان جزائري ( بمفهوم الحزب الشيوعي، له حق التشريع ويتشكل بالتساوي من ستين نائبا جزائريا ونائبا فرنسيا.
4- المطالبة بحكومة يرأسها شخص منتخب من قبل البرلمان المحلي، وأن يكون لفرنسا ممثل في الجزائر.
5- أن تكون اللغتان العربية والفرنسية رسميتين في الجزائر.
3- علاقة الحزب الشيوعي الجزائري بالمؤتمر الإسلامي الجزائري :اقترب الحزب الشيوعي الجزائري من المؤتمر الإسلامي الجزائري ، لأن مشروع بلوم فيوليت لا يتعارض مع مشروعه، ورغم الاختلاف في عقيدة الحزب الشيوعي ومبادئه إلا أنه حصل تقارب بينهم وبين العلماء المسلمين الجزائريين ، ولنا في ذلك أن نذكر ما قاله عمار أوزقان أمين الحزب الشيوعي الجزائري عن عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين : + كان مصلحا ثوريا، مخلصا وحكيما، لا يطلب من كل مرحلة تاريخية أكثر مما تقدر أن تعطي" كما حصل تقارب بين الحزب الشيوعي الجزائري وفيدرالية المنتخبين،( المنتمية هي الأخرى الى المؤتمر الإسلامي) خاصة لما انظم الحزب الشيوعي إلى المؤتمر الإسلامي الجزائري، فحصل التوافق حول المطالب ( المساواة، الدفاع عن حقوق الجزائريين، والدعوة الى تطبيق مشروع بلوم فيوليت)
4- علاقة الحزب الشيوعي الجزائري بفيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين : وقع تقارب بين الحزب الشيوعي الجزائري والمنتخبين المسلمين مع مجيء الجبهة الشعبية إلى الحكم، حيث التفت التشكيلات السياسية الجزائرية حول المؤتمر الإسلامي الجزائري، ولكن مافتئ أن أخذ الخلاف يظهر بين فيدرالية المنتخبين والحزب الشيوعي الجزائري، لأنها- يقصد فيدرالية المنتخبين- كانت ترى فيه عنصرا مشاغبا، ولا يخدم طموحاتها المتمثلة في اندماج الجزائر في فرنسا، وأن مشروعه السياسي مستمد من الحزب الشيوعي الفرنسي الخاضع للسوفيات، وهذا ما جاء على لسان الدكتور الصالح بن جلول رئيس فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين في أحد تصريحاته + لسنا شيوعيين، ليس لدينا ما يجمعنا بالشيوعية، لا نريد معارضتها، فما بالكم بإتباعها " وقال أيضا : + إن المذهب الشيوعي والعقيدة الإسلامية لا يتفقان، ولا يمكنهما التعايش فيجب اندثار أحدهما، وإن لم يقضي الإسلام على الشيوعية، فإن الشيوعية سوف تقضي على الإسلام، كما قضت على كل الديانات الأخرى (...) إن الإسلام يتعرض إلى تكالب السوفيات، لأن موسكو تستطيع بواسطته تحقيق طموحاتها الامبريالية، إن موسكو تريد إثارة المسلمين الذين يعيشون في المستعمرات(...) إن الشيوعية بتأقلمها مع ضرورات المرحلة تلبس بالنسبة للمسلمين قناع الإسلام والوطنية المسلمة، كما تتبنى في فرنسا قناع الوطنية" أما عباس فرحات، فكان أقل تشددا في موقفه تجاه الدعاية التي يقوم بها الحزب الشيوعي في الجزائر، واتضح ذلك الموقف في التصريح الذي قال فيه : +إننا لم نصدر أي حكم على برنامج شيوعي والذي يهدف إلى تحطيم نظام اجتماعي قائم، وهو ما يتجاوزنا " كما تساءل عن مدى قابلية الدولة الشيوعية للتلاؤم مع المجتمع المسلم، ولواقع الذي تعيشه المجتمعات الواقعة تحت حكمها، وعن مدى خطورتها على المجتمع الجزائري المسلم. من خلال هذا الطرح يبدو أن فرحات عباس كان معارضا لتوجهات الحزب الشيوعي الجزائري.
5- علاقة الحزب الشيوعي الجزائري بحزب الشعب الجزائري : الأكيد أن كل من الحزبين نشأ في أحضان الحزب الشيوعي الفرنسي، نظرا لمساندة هذا الأخير للطبقة الشغيلة، ولكن الحزب الشيوعي الجزائري بقي فرعا من فروع الحزب الشيوعي الفرنسي الذي تزعمه موريس توريزMaurice Torez، وبقي ملتزما بتوصيات زعمائه ومناضليه الفرنسيين. ونظرا لنفي الحزب الشيوعي الجزائري لفكرة الاستقلال الوطني؛ هذه الفكرة التي بنا عليها حزب الشعب الجزائري نضاله في أوساط الجماهير، فقد ظهرت حربا إعلامية بين الحزبين ( حزب الشعب- الحزب الشيوعي) اشتد وقعها منذ مجيء الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا بزعامة ليون بلوم، وبشكل خاص لما تقدم موريس فيوليت بمشروعه الإصلاحي، وظهور المؤتمر الإسلامي الجزائري، الذي برز فيه الحزب الشيوعي بشكل جلي، وهذا ما كان يرفضه حزب الشعب الجزائري بزعامة مصالي الحاج، لأن الحزب الشيوعي الجزائري، تحت وصاية جهاز سياسي أجنبي، لا يخدم طموحات الشعب الجزائري.
المراجع المعتمد عليها
1-محوظ قداش، جزائر الجزائريين، تاريخ الجزائر 1830-1954، منشورات ANEP 2008
2-(----) تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
3- محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
4-أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1830-1930 ج 2، المؤسسة الوطنية للكتاب.
5- (----) الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986.
6-يحي بوعزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه، دار البصائر 2009.
7- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.
تاريخ الجزائر المعاصر 2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 4
حزب الشعب الجزائري 1937/1939
تشكيل حزب الشعب الجزائري : تسببت مواقف حزب نجم شمال أفريقيا من ممارسات الإدارة الاستعمارية في الجزائر، في ظهور مواقف متشددة إزاءه من طرف التيارات السياسة الفرنسية والعميلة في الجزائر، مما دفع بممارسة تلك القوى السياسية ضغوطها لتجبر السلطات الفرنسية ( حكومة الجبهة الشعبية) على إصدار قرار في 26جانفي1937، يقضي بحل الحزب، متهمتا إياه بالعمل ضد مصلحة فرنسا وأمنها، كذا الدعاية للفاشية الايطالية والألمانية. ولم يمض شهر على حل حزب نجم شمال أفريقيا، قامت عناصر وطنية من الحزب المنحل منهم ( مصالي الحاج، عيماش، راجف، موساوي رابح، كحال محمد أرزقي) على إعادة تأسيس حزب جديد تحت اسم حزب الشعب الجزائري في 11مارس 1937. في باريس ( بفرنسا)، وقد استطاعت العناصر المؤسسة للحزب من تشكيل خلايا سرية في جميع المناطق( شرق، غرب، وسط وحتى في المناطق العسكرية) حيث استغل الحزب بقايا الخلايا السرية التي أسسها حزب نجم شمال أفريقيا منذ 1933، فبدأت جموع المنخرطين من الشباب تتوافد على الحزب الجديد ( حزب الشعب الجزائري) فتأسست القسمات الحزبية في الجزائر، البليدة، بوفاريك، شرشال، دلس، عنابة، قسنطينة، سكيكدة، قالمة، وهران، تلمسان ومستغانم، كما عرف الحزب انتشارا في الأرياف.
وساهمت جريدة الأمة ( جريدة ناطقة بلسان حال حزب الشعب الجزائري) الصادرة باللغة الفرنسية، في ذلك الانتشار، إلى جانب جريدة ناطقة باللغة العربية وهي ( الشعب)، كما اختار الحزب الدخول الى الانتخابات المحلية البلدية، للدعاية للفكرة الوطنية وتحقيق وعي وطني. ولما عرف حزب الشعب انتشارا وأصبحت له شعبية في أوساط الجماهير الجزائرية، أرسلت اتحادية الحزب بمدينة الجزائر في أبريل 1937، طلبا إلى مصالي الحاج رئيس الحزب، تدعوه للمجيء إلى الجزائر، للمساهمة في دعم نشاطها في توطين الحزب، ولما وصل مصالي الى الجزائر في 13 جوان 1937، التفت حوله فئات كثيرة من الجزائريين خاصة الشباب، وعقدت اجتماعات سياسية برزت فيها شخصيات وطنية مثل( مصالي الحاج، حسين الأحول، ومفدي زكريا) ووزعت خلال تلك الاجتماعات المناشير ونسخ من جريدة الأمة ، وأصبح (نشيد فداء الجزائر الذي ألفه مفدي زكريا، خصيصا للحزب)، وكانت جريدة الأمة تصف حزب الشعب الجزائري، بأنه حزب مستقل عن كل الأحزاب الفرنسية، وتشير الكتابات التاريخية، أن الحزب قد عرف امتدادا شعبيا ولم يكن المثقفون الين انخرطوا فيه يمثلون إلا العدد القليل.
برنامج حزب الشعب الجزائري: قدم المكتب السياسي أهداف حزب الشعب المتمثلة في تحسين وضع الجزائريين المعنوي والمادي، و العمل على تمكين مجموع السكان من دون تمييز عرقي أوديني من التمتع بالحريات، رفع حزب الشعب الجزائري شعارا : ( لا إدماج – لا انفصال، لكن تحرر، و كان يعتبر الاندماج وهما، فشعب من ستة ملايين نسمة، يتكلمون اللغة نفسها ولهم نفس الدين والتاريخ، لا يمكنه أن يندمج ولا أن يختفي، لكن يمكنه التحالف. وفي جانفي 1938 أوضحت جريدة الأمة برنامج حزب الشعب الجزائر في النقاط التالية:
أ- المطالب السياسية : 1- المطالبة بإلغاء قانون الانديجينا ( الأهالي) وقانون الغابات وكل القوانين الاستثنائية.
2- منح الحريات الديمقراطية( حرية الصحافة، إنشاء الجمعيات، الحرية النقابية، حرية الاجتماع، احترام الديانة الإسلامية وإرجاع أملاك الوقف ( الحبوس) وإعادتها الى أصحابها.
3- إلغاء الاعتمادات الممنوحة للديانتين الكاثوليكية والبروتستانتية من قبل الحكومة.
4- حرية السفر الى فرنسا والخارج.
5- تحويل المندوبيات المالية إلى مجلس جزائري( برلمان جزائري) منتخب عن طريق الاقتراع العام دون تمييز عرقي أو ديني.
6- فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ب- المطالب الاجتماعية : 1- ترقية التعليم باللغتين العربية والفرنسية.
2- التعليم الإجباري للغة العربية لكل السكان الأصليين في كل المستويات.
3- تطبيق كل القوانين الاجتماعية وقوانين العمل السارية المفعول في فرنسا في الجزائر.
4- ترقية النظافة والمساعدات العمومية
5- حماية الطفولة.
ج- المطالب الاقتصادية : 1- خفض الضرائب المفروضة على الجزائريين.
2- تأميم القرض والصناعات الأساسية والمجالات المحتكرة.
3- محاربة البطالة
4- إلغاء الاستيطان وتثبيت الأهالي على الأرض وذلك بتسهيل الحصول على وسائل الاستغلال.
5- قمع التعاملات الربوية عن طريق القروض غير المكلفة للفلاحين التجار.
6- إقامة نظام جمركي يحافظ على الصناعات والمنتجات المحلية وحمايتها من المنتجات المثلية.
IV- المطالب الإدارية : 1- قبول كل الجزائريين دون تمييز في كل الوظائف مع تطبيق مبدأ (المساواة في العمل، المساواة في الأجر)
2- إلغاء كل التعويضات والمنح ذات الطابع العرقي أوالسياسي.
3- إلغاء الأقاليم العسكرية والبلديات المختلطة.
موقف حزب الشعب من مشروع بلوم فيوليت : أبد حزب الشعب الجزائري معارضة شديدة لمشروع بلوم فيوليت، وكان يعتبره عدوانا على الشعب الجزائري الذي له تاريخ وانتماء وحضارة، كما عاتب النخبة الجزائرية التي هرولت الموافقة على مقترحات موري فيوليت، متهما إياها بأنها تجري وراء مصالحها الآنية، واتهمها بالمولاة لفرنسا، وعبر حزب الشعب عن موقفه الصريح بما يلي: + إن الشعب الجزائري لا يريد مشروع بلوم فيوليت، لأنه سيتوصل الى إنشاء انقسامات بيننا ولأن هذا المشروع يحمل بؤسا أكثر بانقسام نخبتنا، التي عندما تصير فرنسية فرنسية بالكامل حينئذ تمحقنا باحتقارها أكثر مما يفعل ذلك المهيمنون علينا الآن (....) لم يستطع مضطهدو بلادنا أن يجعلوا الجزائريين يتخلون عن الإسلام (...) فوجدوا وسيلة لإرضائهم، ربط النخبة الجزائرية (...) ولكن وليعلما أن هذه الوسيلة تفشل لأن الشعب الجزائري لا ينخدع (...) ليعلموا أنه إذا كان منتخبونا مستعدين لبيع أنفسهم، فإن الشعب الجزائري لن يبيع نفسه"ولما انعقد المؤتمر الثاني للمؤتمر الإسلامي الجزائري 9-10-11/07/1937 في نادي الترقي حظر حزب الشعب ممثلا بعضوين وهما بومدين معروف ومصطفى بن رزوق ، حينها استغل معروف بومدين الظرف ليندد بانسياق العلماء والمنتخبين وراء منظمة أجنبية يمثلها الحزب الشيوعي الجزائري الذي يخدم إستراتجية الحزب الشيوعي الفرنسي والسوفييتي.
موقف حزب الشعب من فيدرالية المنتخبين الجزائريين: تميزت العلاقة بين حزب الشعب الجزائري وفيدرالية المنتخبين الجزائريين ( النخبة المتفرنسة) بالتوتر لعدم التوافق في أهداف التيارين وتجلى ذلك الخلاف فيما كان كانت تكتبه جريدة الأمة وجريدة برلمان الشعب، حيث كانت تفضح مواقف تلك النخبة، خاصة حول مواقفهم مشروع بلوم فيوليت، فقد كانت جماعة النخبة – فيدرالية المنتخبين- تصف حزب الشعب بالغوغائيين وأطلقوا عليهم اسم حزب الأميين بسبب العدد الضئيل من المثقفين في صفوفه، كذلك حزب المجانين لأنهم يستغلون عواطف الجماهير ويروجون لأفكار مستحيلة التحقق( خاصة الاستقلال) أما حزب الشعب فكان يصف عناصر النخبة من الفيدراليات الثلاث ( فيدرالية قسنطينة- الجزائر- وهران) واصفين إياهم بالبعيدين عن انشغالات الشعب، وأنهم يسعون لتحقيق مصالحهم، وأنهم باعوا أنفسهم للإدارة الفرنسية خاصة زعيما الفيدرالية ( الصالح بن جلول وفرحات عباس ومن سار في فلكهم) وأن هؤلاء استغلوا المؤتمر الاسلامي الجزائري للحصول لتحقيق أطماعهم ولو على حساب أمة بكاملها.
موقف حزب الشعب من الحزب الشيوعي الجزائري: المعروف أن حزب الشعب الجزائري بدء نضاله السياسي كهيئة نقابية في أحضان الحزب الشيوعي الفرنسي في باريس، حين أسس نجم شمال أفريقيا، ولكن ما فتئ النجم ينفصل عن هيمنة الحزب الشيوعي، ليصبح جزائري المشروع والهدف، مما أدى الى توتر العلاقة بين الطرفين، ولما تأسس الحزب الشيوعي الجزائر عام 1936، أصبح يحمل ذلك العداء لحزب الشعب الجزائري، و لما انظم الحزب الشيوعي الجزائري إلى المؤتمر الإسلامي، وأصبح تشكيلا سياسيا فعالا فيه ، ظل مصالي الحاج ( حزب الشعب الجزائري)، يندد بذلك وأعاب على المؤسسين للمؤتمر الإسلامي الجزائري، قبولهم لمنظمة تعمل بتوجيهات الحزب الشيوعي الفرنسي المعادي لطموحات الشعب الجزائري.
موقف حزب الشعب الجزائري من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: رغم الخلافات التي حصلت حول مشروع بلوم فيوليت بين حزب الشعب التيارات المنتمية الى المؤتمر الإسلامي، خاصة تلك الحرب الإعلامية التي شنتها جريدة الأمة، وكان أحد المنتسبين الى العلماء يصف حزب الشعب في أوت 1938 بأنه ( جمعية تهديمية) فقد أبدا حزب الشعب استعداده نسيان سوء التفاهم مع العلماء، فاقترح الدخول في مفاوضات مباشرة مع الفضيل الوتيلاني المتواجد في باريس لتحسين العلاقة وبقي الحزب يبدي تعاطفه مع العلماء حتى أواخر عام 1939
موقف الإدارة الفرنسية من نشاط الحزب : استطاع قادة الحزب في الجزائر في ظرف قياسي تحقيق انتصارا سياسيا، حيث التف حول الحزب الكثير من العناصر الوطنيين، وبدأت أفكار الحزب تنتشر في أوساط مختلف فئات المجتمع الجزائري، وأصبح يقلق الإدارة الفرنسية، حيث صرح موريس فيوليت ( صاحب المشروع الإصلاحي المعروف بمشروع بلوم فيوليت) لجريدة ( ايكو دالجي)Echo d’Alger ، عن تخوفه من نفوذ حزب الشعب الجزائري وترسيخه على أرض الجزائر، خاصة لما شارك حزب الشعب في الانتخابات المحلية ( البلدية) حيث تمكن من الحصول على أصوات فاقت أصوات مرشحي الإدارة الاستعمارية. وقد استغل حزب الشعب مناسبة الاحتفال بيوم 14 جويلية ( عيد الثورة الفرنسية) للقيام بمظاهرات شعبية كبيرة رفع خلالها العلم الجزائري ( الراية ذات اللونين الأخضر والأبيض والمرصعة بهلال ونجمة حمراوين)، مما أدى الى حدوث قلق لدى المعارضين لهذا الحزب على مصالحهم خاصة المستوطنون ومن والاهم من أتباع الإدارة الفرنسية من بني وي وي، فجيشوا الإدارة الاستعمارية ضد الحزب واتهموه بأعمال العنف والتشويش ضد الأمن وسيادة الدولة الفرنسية، وكان المسعى من ذلك :
1- القضاء على الحركة الوطنية الثورية الممثلة في حزب الشعب الجزائري.
2- الحيلولة دون نجاح أعضاء حزب الشعب في الانتخابات والحد من سمعتهم في أوساط الجماهير.
وللحد من نشاط حزب الشعب الجزائري، أقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية في 27أوت 1937 باعتقال زعماء الحزب متهمة إياهم القيام بحملة معادية لفرنسا وإعادة العمل بحزب منحل، وحكم على رئيس الحزب مصالي الحاج وزملائه الخمسة، بسنتين سجن نافذة، فأثار ذلك الاعتقال موجة سخط واحتجاج في أوساط الجماهير وحتى المؤتمر الإسلامي الجزائري الممثل من طرف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين، ما عدا الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان يكن لحزب الشعب العداء السياسي، فاشتدت المعارضة الجماهيرية للقرار السجن في حق زعماء حزب الشعب الجزائري، فوقعت مشادات عنيفة مع الشرطة، وفي 19 سبتمبر 1937 نظمت مظاهرات شعبية أخرى ضد قرار السجن، وبحلول شهر نوفمبر 1937 قدم مصالي الحاج وأصحابه للمحاكمة، ويومها استغل مصالي الحاج المحاكمة للتعبير عن التوجه الوطني للحزب مطالبا ببرلمان جزائري ينتخب بالاقتراع العام بدل المندوبيات المالية، وقال أيضا : + هل يعد ضد فرنسا من يطالب بنفس الاستقلال للجزائر؟ أو لسنا هنا في وطننا في الجزائر؟ وقال بأن حزبه سيعمل على تحقيق حرية الجزائر بمساعدة فرنسا وأضاف بأن لدينا حضارتنا وديننا وكل ما نريده هو أن نكون شعبا مستقلا " وانتهت المحاكمة بصدور الحكم بالسجن عامين لقادة الحزب المعتقلين.
ورغم ما طال الحزب من تضييق واعتقالات، فقد ازدادت شعبيته في أوساط الجماهير وبدأ المنخرطون يتزايدون فيه بأعداد مرتفعة، فبلغ عدد المنخرطين حوالي 3000 منخرط ، وأسست جريدة ناطقة باسم الحزب باسم ( البرلمان الجزائري)، وقام المناضلون بعقد اجتماعات في العمالات الثلاث ( قسنطينة – الجزائر- وهران) حضرتها جماهير غفيرة، ووزعت صور لزعيم الحزب مصالي الحاج، كتب عليها + المجاهد العزيز الباسل العظيم مصالي الحاج رئيس حزب الشعب الجزائري في بربروس، وفي أسفل الصورة كتب : لو أن الشبيبة الإسلامية كلها فعلت مثله، لتحرر الإسلام منذ زمن بعيد" ورغم القمع والمضايقات قام نشطاء حزب الشعب بتنظيم مظاهرات في 12فيفري 1938 حضرها حوالي 5000 شخص، رفعوا خلاله شعارات الحزب وهتافات + أطلقوا سراح مصالي وصحبه، الخبز والمدارس لأولادنا، فليسقط قانون الأهالي ومرسوم رنيه"، حينها أدركت السلطات الاستعمارية الفرنسية الممثلة في حكومة الجبهة الشعبية، أن عود حزب الشعب الجزائري ازداد صلابة، خاصة موقفه المعارض والرافض لمشروع بلوم فيوليت، وكذا تنديده بمواقف النخبة السياسية الجزائرية الممثلة في فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين، فازداد ضغط المستوطنين الفرنسيين على الساسة الفرنسيين، لاتخاذ قرار متشدد ضد حزب الشعب الجزائري، فقامت السلطات الفرنسية في صيف 1939، باتخاذ إجراء قمعي ضد جريدة الأمة مدعية، أنها نشرت مقالا مهدد لوحدة الوطن ( وحدة فرنسا) وسلطة فرنسا في المناطق التي تمارس فيها سلطتها، فمنعت الجريدة من الصدور، وأقدمت السلطات الاستعمارية باعتقال مصالي الحاج من جديد في أكتوبر1939، رغم استيفائه مدة العقوبة الصادر ضده لعامين ، وصدر قرار حل الحزب في سبتمبر1939
المراجع المعتمد عليها
1-محوظ قداش، جزائر الجزائريين، تاريخ الجزائر 1830-1954، منشورات ANEP 2008
2-(----) تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
3- محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
4-أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1830-1930 ج 2، المؤسسة الوطنية للكتاب.
5- (----) الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986.
6-يحي بوعزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه، دار البصائر 2009.
7- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.
تاريخ الجزائر المعاصر2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 3
حزب نجم شمال أفريقيا ( النشأة، التطورات والمواقف) |
توطئة : اختلف الأمير خالد مع جماعة النخبة الليبرالية الاندماجية منذ 1919، إذ عارض فكرة الإدماج، حيث كانت إصلاحات 04 فيفري 1919 تطرح مسألة التجنس مع التخلي عن قانون الأحوال الشخصية الإسلامية ؛ مما تسبب في انقسام حركة الشبان الجزائريين إلى تيارين، تيار ليبرالي اندماجي يتزعمه الدكتور بلقاسم بن تهامي، وتيار وطني إصلاحي يتزعمه الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، وتشير الكتابات التاريخية، أن الأمير خالد ناد ببرنامج إصلاحي قائم على فكرة المساواة بين الجزائريين و الفرنسيين وجلب هذا البرنامج وهذه المطالب تأييد غالبية طبقات المجتمع الجزائري، ولما شعرت السلطات الفرنسية بالقلق تجاه نشاطات الأمير الوطنية، قررت نفيه عام 1923 من الجزائر بتواطؤ من المستوطنين وبعض خصومه السياسيين من النخبة الاندماجية.
الإرهاصات الاولى للتيار الاستقلالي : رغم نفي الأمير خالد من الجزائر ازداد إصرارا في مواقفه الوطنية، إذ نقل معركته السياسية الى فرنسا، وهناك عقد اللقاءات والمؤتمرات والاتصالات مع المهاجرين الجزائريين + عمال من أفريقيا الشمالية،"؛ أين كان يثير القضية الجزائرية، كما راسل الأمير خالد عام 1924رئيس الوزراء الفرنسي هيربو المنتمي الى التيار اليساري باعتباره- أي الامير خالد-من المدافعين عن القضية الجزائرية، وظل يناضل من منفاه في فرنسا. وتؤكد الكتابات التاريخية، أن حركة الأمير خالد لم تمت نتيجة نفيه، إذ استمر في بعث الوعي في الحركة الوطنية، وكان عاملا رئيسيا وأساسيا في بعث أول حزب سياسي في شمال أفريقيا، يدعو إلى استقلال الأقطار الثلاثة ( الجزائر- تونس- المغرب)
ميلاد التيار الاستقلالي ( نجم شمال أفريقيا) : برزت معالم العمل الوطني بدخول الأمير خالد في فرنسا بعد أن سمح له بذلك في عام 1923، فكانت التجمعات التي اتصل من خلالها بعمال شمال أفريقيا ( 1923-1924) البداية الاولى لهذا العمل الوطني، إذ أقدم الأمير خالد على إنشاء لجنة من أبناء شمال أفريقيا ممن كانوا يستمعون إلى محاضراته منهم ( الحاج عبد القادر-مصالي الحاج-علي الحمامي- أخمد بهلول- بانون آكل.
وتشير الدراسات التاريخية، أن الأمير خالد قام بدور المحرك داخل أوساط العمال المغاربة، وكان وراء إنشاء + نجم شمال أفريقيا" في منطقة لي بوش دي رون Les bouches du Rhône، وبرز النجم في مارس 1926 على شكل حركة نقابية داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، يهتم بقضايا عمال شمال أفريقيا من الجزائريين والتونسيين والمغاربة، وكان أكثرهم من الجزائريين، وأعلن الأمير خالد رئيسا شرفيا، وبرزت أسماء منهم؛ مصالي الحاج كأمين عام، ثم رئيسا للحزب مع 1926.
وتؤكد المراجع التاريخية، أن نشأة نجم شمال أفريقيا، كانت في أحضان الحزب الشيوعي، كنواة أولى لحركة نقابية تدافع عن مصالح عمال شمال أفريقيا، لكنه مافتئ يتحرر من الحزب الشيوعي. كما بذل مصالي الحاج جهدا كبيرا في إبعاد النجم عن هيمنة الحزب الشيوعي، و ساهم شكيب ارسلان دورا كبيرا في ذلك التوجه الجديد، مما جعل الحزب الشيوعي الفرنسي يحقد على مصالي الحاج، ودخل معه في خلاف سياسي استمر إلى عهد الحزب الشيوعي الجزائري.
وقد تبنى نجم شمال أفريقيا في بداية نشاطه الخطوط العريضة من برنامج الشبان الجزائريين المؤيدين للأمير خالد + إلغاء قانون الانديجينا – المساواة في جميع الميادين بين الجزائريين و الفرنسيين، و الحريات الأساسية، حق السفر بحرية، المطالبة باستقلال البلدان الثلاث لشمال أفريقيا"، وأكد نجم شمال أفريقيا على برنامجه، بمناسبة انعقاد مؤتمر بروكسل الذي نظمته الرابطة المناهضة للاضطهاد الاستعماري، واعتمد في نشر برنامجه وتحقيق التعبئة في أوساط العمال على جريدة الإقدام الباريسيIkadam de Paris التي حملت شعار + من أجل الدفاع عن مسلمي أفريقيا الشمالية " ، مما أدى بالسلطات الفرنسية الى منعها عام 1927، وعلى اثر ذلك أعيد إصدار جريدة أخرى ناطقة بلسان نجم شمال أفريقيا وهي أقدام الشمال الإفريقيIkdam nord Africain، وقد أظهر النجم معارضة شديدة للسياسة الفرنسية في الجزائر، مما دفع السلطات الفرنسية إلى إصدار قرار حل النجم عام 1929، ولم تثن السياسة النجم من الاستمرار في نشاطه السياسي، حيث تأسس باسم جديد " نجم شمال أفريقيا المجيد" وأنشأ جريدة ناطقة بلسان حاله، وهي جريدة الأمة El Ouma، وظل وفي لبرنامجه ومطالبه منها : + الإلغاء الفوري والعاجل لقانون الانديجينا،- إلغاء الإجراءات الاستثنائية – العفو عن جميع المساجين- الحرية المطلقة للسفر الى فرنسا والى الخارج -حرية الصحافة وإقامة الجمعيات والاجتماع- الحقوق السياسية والثقافية- استبدال المندوبيات المالية، ببرلمان وطني جزائري – إلغاء البلديات المختلطة و المناطق العسكرية". وبحلول عام 1934أصدر القضاء الفرنسي حكما يقضي باتهام قادة النجم العمل بهيئة محلة وألقي القبض على قادته، منهم مصالي الحاج.،وفي فبراير 1935 أصبح النجم يدعى باسم الاتحاد الوطني لمسلمي شمال أفريقيا، إلا أنه في أبريل 1935 أقرت المحكمة الفرنسية ببطلان قرار 1929 الذي حل بموجبه النجم، وبذلك أعيد نجم شمال أفريقيا للنشاط السياسي.
انتقال نشاط نجم شمال أفريقيا إلى الجزائر وموقفه من المؤتمر الإسلامي الجزائري : استطاع نجم شمال إفريقيا نشر خلاياه السرية في الجزائر، حيث وصلت أصداءه إلى الوطنيين. وتؤكد الكتابات التاريخية، أن مجيئ الحزب الى الجزائر، كان في ظروف تميزت بحراك سياسي مثل ظهور مشروع ميشال 1933 الذي فرض رقابة على نشاط العلماء وقيد نشاطهم ومنعهم من أداء مهمتهم الدينية والتعليمية +تعليم اللغة العربية" وكذلك أحداث قسنطينة 1934، وقرار رينيه عام 1935، وكانت أولى الخلايا السرية في الجزائر العاصمة، البليدة، بوفاريك، وهران، تلمسان، قسنطينة، سكيكدة، حينها لعبت جريدة الأمة دورا بارزا في ذلك الانتشار خاصة مابين 1933- 1934، وقد وجدت السلطات الاستعمارية الفرنسية في هذا الحزب، خطر على مصالحها في شمال أفريقي خاصة في مستعمرتها الجزائر، فأقبلت عام 1934 على سجن العناصر النشطة من الحزب منهم مصالي الحاج وفرضت عليهم غرامات مالية بحجة إعادة تأسيس منظمة صدر قانون بحلها.
ولما حل عام 1936، تحتم على حزب نجم شمال أفريقيا خوض معركة كبرى، (أن يحدد موقفه من الجبهة الشعبية التي فازت بالانتخابات التشريعية في فرنسا، وكذا المؤتمر الإسلامي)، فقام بتقديم مطالب إلى حكومة الجبهة الشعبية التي ترأسها ليون بلوم Leon Blum وهي نفس المطالب التي تضمنها برنامج النجم، أما فيما يخص مشروع بلوم- فيوليت، فقد عارض النجم هذا الأخير وانتقد الإعداد المستعجل للمؤتمر ، وأنكر على جماعة فيدرالية المنتخبين الجزائريين موقفهم المؤيد لمشروع فيوليت الإدماجي في شقه السياسي، خاصة الصالح بن جلول وعناصر أخرى، ودارت بينهم حرب كلامية ظهرت في جريدة الأمة ، كما استهجن نجم شمال أفريقيا، موقف جمعية العلماء المسلمين الداعم لفدرالية المنتخبين، وبانعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري الأول في جوان 1936، وإعلان النخبة المفرنسة دعم مشروع بولوم- فيولت، وانتقال البعثة إلى باريس لمقابلة المسؤولين الفرنسيين، أعلن نجم شمال إفريقيا معارضته للبعثة، وجاء في جريدة الأمة مقال بعنوان + المندوبون المسلمون إلى باريس هل نضحك؟ أم يجب علينا أن نبكي؟ "ومما جاء في المقال: + هذه المرة الحدث تغير؛ فالحدث ذو أهمية لم يسبق له مثيل منذ الاحتلال، هذه المرة مؤيدو الفرنسة والاندماج هؤلاء الذين يحلمون بالفرنسة وهؤلاء الذين يسعون إلى فرنسة الجزائر، يرافقهم العلماء العناصر الكفئة من المسلمين الذين قبلوا الانضمام إلى من نفى وجود الأمة الجزائرية (...) لقد تقوى هؤلاء- يقصد النخبة الاندماجية- بهذا الدعم المعنوي (...)إن المنتخبين تصرفوا و كأنهم ضمير هذا الشعب، انهم يدّعون بأن الشعب الجزائري يطالب بإلحاق الجزائر بفرنسا" وقد برز مصالي الحاج من خلال الخطاب الذي ألقاه في أوت 1936 في الملعب البلدي بمناسبة عودة وفد المؤتمر الإسلامي الجزائري من فرنسا، حينها قال كلمته الشهيرة: +إننا نقول بصراحة وبصرامة إننا نستنكر الميثاق المطلبي فيما يخص ضم بلادنا غالى فرنسا والتمثيل البرلماني" وبهذا الموقف المعارض للمؤتمر الإسلامي، عرف نجم شمال أفريقيا انتشارا كبيرا في الأوساط الشعبية في الجزائر.
وفي ذات السياق، استهجنت جريدة الأمة مواقف الدكتور بن جلول، وفرحات عباس، حيث قالت أنهما لا يفكران إلا في مصالحهما الشخصية وأنهما يطلبان من الشعب الجزائري التخلي عن قانون أحواله الشخصية، وعن الإسلام لأجل الاندماج في العائلة الفرنسية، وهذه التصريحات هي عار بالنسبة للجزائر، وقد عملت جريدة الأمة على تأليب مواقف الأهالي ضد النخبة الاندماجية، لأنهم يؤيدون مشروع فيوليت، الذي يمنح الجنسية لحوالي خمسة ألاف من عناصر النخبة، وأنهم بذلك الموقف يتخلون عن ستة ملايين من الأهالي ( الجزائريين).
وتذكر المراجع أن الانتقادات الموجهة ضد الاندماج السياسي ومشروع بلوم- فيوليت، قد أقلقت أنصار المؤتمر الإسلامي، وكان هؤلاء يلاحظون، أن النجم أظهر تعصبا كبيرا ، وأنه يمارس ديكتاتورية فكرية وإيديولوجية حيث لم يدار لا العلماء ولا المنتخبين بشكل خاص، مما دفع بالحكومة الجبهة الشعبية إعلان يوم 26 جانفي 1937 عن حل نجم شمال إفريقيا.
الخاتمة: استطاع نجم شمال أفريقيا على مراحله المختلفة من تأسيسه 1926 إلى 1937؛ إيقاظ الوعي الوطني في وسط الجماهير، مما جعله الأكثر استهدافا من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية ، إذ تبنت هذه الأخيرة أسلوب القمع للحد من انتشاره. ورغم سياسة القمع الممارسة على قيادته وصحافته، عرف هذا التيار الوطني انتشارا في جميع مناطق الجزائر، وانخرطت فيه فئات مختلفة من المجتمع الجزائري، فتحول إلى اكبر قوة سياسية أقلقت السلطات الاستعمارية الفرنسية وكل من سار في فلكها.
المراجع المعتمد عليها :
1-محوظ قداش، جزائر الجزائريين، تاريخ الجزائر 1830-1954، منشورات ANEP 2008
2-(----) تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
3- محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
4-أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1830-1930 ج 2، المؤسسة الوطنية للكتاب.
5- (----) الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986.
6-يحي بوعزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه، دار البصائر 2009.
7- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.
تاريخ الجزائر المعاصر2
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 2
التيار الاندماجي وتطوراته في الجزائر 1924- 1939
توطئة : بعدما نفي الأمير خالد الجزائري عام 1923 من الجزائر، خفت التيار الإصلاحي، و منذ 1924 خلت الساحة السياسية لعناصر النخبة الجزائرية الاندماجية جماعة التيار الليبرالي وهي الجماعة المشكلة من المنتخبين في مختلف المجالس ( مجالس البلديات، المجالس العامة، المندوبيات المالية) مما جعلها تقود العمل السياسي والحركة المطلبية (المطالب السياسية، الاقتصادية والاجتماعية) أمام السلطات الاستعمارية الفرنسية. وقد أطلق اسم التيار الاندماجي على تلك المجموعة؛ لأنها وضعت ضمن مشاريعها الأساسية مشروع إدماج الجزائر شعبا وأرضا مع فرنسا، دون إثارة مسألة الاستقلال، وظل هذا التيار الاندماجي متشبثا بمشروعه إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ظهور فدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين : قامت النخبة المنتخبة في المجالس المحلية بتشكيل منظمة خاصة بهم وهي فدرالية المنتخبين المسلمين، وكان ذلك في اجتماع 11 سبتمبر 1927، ويذكر أن الهدف من تأسيس الفدرالية، كان لأجل تجميع المنتخبين المسلمين في مختلف المجالس الانتخابية الموجودة في الجزائر، لمواجهة جمعية رؤساء بلديات الجزائر، وهي الجمعية التي أنشأها المستوطنون لمواجهة الإصلاحات المقترحة للأهالي خاصة المنبثقة عن إصلاحات 04 فيفري 1919، وكانت فدرالية المنتخبين المسلمين المشكلة برئاسة الدكتور بن التهامي، وهم ورثة الفتيان الجزائريين والمؤيدين لسياسة نخبوية، تقودها نخبة مفرنسة تطالب بحقوق وتدعو إلى اندماج تدريجي في الأمة الفرنسية، وعملت هذه الفدرالية على استقطاب إليها المنتخبين المسلمين ذوي الثقافة الفرنسية.
فدرالية المنتخبين المسلمين لقسنطينة: تأسست بمبادرة من مجموعة من المنتخبين المسلمين لمقاطعة قسنطينة بمبادرة من المحامي شريف سيسبان رئيس فرع الأهالي في المندوبيات المالية، بعقد اجتماع في 29 جوان 1930 بقسنطينة لتأسيس فدرالية المنتخبين المسلمين لقسنطينة، وكانت المبادرة عملية سياسية نوعية وحدث سياسي في المقاطعة؛ بتمكن النخبة الجزائرية الاندماجية –المفرنسة-المنتمية في جذورها التاريخية الى الشبان الجزائريين. وقد برزت فدرالية المنتخبين المسلمين لقسنطينة بشكل واضح منذ مجيء الدكتور بن جلول، الذي أعطى لها وزنها السياسي، ليس في المقاطعة فحسب، بل على مستوى الجزائر المستعمرة، من خلال شخصيته التي فرضها خلال الفترة الممتدة من 1933 إلى 1939 على رأس فدرالية المنتخبين لقسنطينة إلى جانبه فرحات عباس، وتشير أحد الدراسات أن فدرالية المنتخبين المسلمين لقسنطينة، كانت من أنشط الفدراليات في الجزائر، مقارنة بالفدراليات الأخرى المتواجدة في الجزائر ووهران، خاصة حين أصبحت تحت رئاسة الدكتور بن جلول.
فدرالية المنتخبين المسلمين للجزائر: تأسست هي الأخرى في أعقاب الاحتفالية المئوية، وكانت الرئاسة في بداية عهدها لمحي الدين زروق، وظل على رأسها إلى غاية أن نظم المنتخبون المسلمون لمقاطعة الجزائر اجتماعا لهم في يوم 21 جوان 1936 بقاعة السينما الماجستيك ، وانتهى الاجتماع بانتخاب الدكتور بشير المستشار العام للبليدة، رئيسا للفدرالية، وأبقوا الرئاسة الشرفية لكل من الدكتور بن التهامي، الدكتور تامزالي عبد النور، وشكيكن، واعتبرت فدرالية المنتخبين المسلمين للجزائر نفسها تدافع عن مصالح الأهالي الجزائريين المسلمين، والناطقة باسمهم.
فدرالية المنتخبين المسلمين لوهران: أقدم المنتخبون المنتخبون المسلمون لوهران على تأسيس جمعية لهم على شاكلة المنتخبين في قسنطينة، والجزائر،حيث كان بن عودة حاج حسن بشتارزي رئيسا لها منذ 1930 إلى 1935، وفي اجتماع 07 جويلية 1935 في حفل بقاعة البلدية بوهران، وقد أعلن أن فدرالية المنتخبين لوهران جاءت لأجل المطالبة بإصلاحات سياسية، واقتصادية واجتماعية، وإلى جانب تلك المطالب فان الفدرالية تعمل على تمتين أواصر العلاقات بين الجزائريين و الفرنسيين.
التيار الاندماجي ومسألة التمثيل الانتخابي: أصبحت مسألة التمثيل الانتخابي ضمن اهتمامات النخبة، وقامت مجموعة من فيدرالية المنتخبين بتوجيه رسالة إلى وزير الداخلية الفرنسي تطالبه بمجموعة من الإصلاحات ، ومن جملتها حق التمثيل، ومما جاء في الرسالة: <<إن مطالبنا تبرر رغبتنا بأن يكون لدينا في البرلمان بفرنسا ممثلين عنا يدافعون عن مصالحنا، عن قضايا الأهالي (الجزائريين) (...) عليكم بمساعدتنا حتى يكون لدينا التمثيل في البرلمان، لأن هذا التمثيل يتمتع به إخواننا في السنغال والهند>>.
وقد أعلن المنتخبون في المجالس البلدية والمالية والعامة، أن هذه المطالب لا تمس وفائهم التام لفرنسا وخدمتها، بل إنه سيساهم في بناء عظمتها في شمال إفريقيا. لقد أجمع منتخبو الفيدراليات الثلاث على أحقية الجزائريين في أن يكون لهم تمثيل نيابي في مجلس باريس. ولما تحولت فيدرالية المنتخبين المسلمين إلى ثلاث فيدراليات في العمالات الثلاث ، ازداد الاهتمام بالقضايا التي تعني الأهالي (الجزائريين) المسلمين. وبدأت الشخصيات الفرنسية تطرح مشاريع لحل مشكل التمثيل، فطرح بعضهم التمثيل الخاص للأهالي والبعض الآخر طرح التمثيل العام.
الموقف من الإدارة الفرنسية : أعرب النواب – فيدرالية المنتخبين- عن معارضتهم للنظام الإداري الفرنسي في الجزائر ، وأكد بن جلول عن معارضته لهذا الأخير، خاصة إدارة البلديات المختلطة، حيث صرح قائلا: << إن المسلمين يرون هذا النوع من الإدارات، قد أصبح بالي وغير مجدي، يجب أن يلغى نظام البلديات المختلطة، والقياد، يجب أن تمنح للمسلمين سلطة في إدارة الدواوير>> وتشير أحد الدراسات أن المندوبيات المالية مثلت بالنسبة للنخبة المفرنسة السياسية، رمزا النظام الاستعماري؛ أين كان المستوطنون يرفضون أي إصلاحات للأهالي (الجزائريين)، ونتيجة للدور السلبي الذي ميز المندوبيات المالية، فقد وضعت النخبة ضمن مشروعها، إلغاء هذا الجهاز السياسي.
يظهر أن عناصر فيدرالية المنتخبين الجزائريين، قد أجمعت على توجيه انتقادات إلى النظام الإداري المطبق في الجزائر، لأنه سخر لخدمة مصالح المستوطنين دون الاهتمام بمصالح الأهالي (الجزائريين)، وقد اعتبروا طريقة تسيير المؤسسات الإدارية، تحول دون تحقيق اندماج شاملا للجزائريين في فرنسا، لذلك دعوا إلى وجوب إلغاء تلك المؤسسات الإدارية والمالية.
المطالبة بالتعليم للجزائريين: أبدت النخبة الاندماجية من فيدرالية المنتخبين المسلمين اهتماما بتعليم الأهالي (الجزائريين)، وهذا ما أعلنت عنه فيدرالية المنتخبين لعمالة قسنطينة في جريدتها الوفاق الفرنكو-إسلامي، في عددها الأول الصادر بتاريخ 28 أوت 1935 مؤكدة أنها ستعمل على تحقيق المشروع، لأن مسألة التعليم ضرورة تفرض نفسها، ومن الواجب رفع عدد المدارس الابتدائية ، حتى تلبى حاجيات الأهالي (الجزائريين) المسلمين. كما دعا عباس فرحات إلى تطبيق سياسة تعليمية هادفة وعارض الذين يدعون إلى تطبيق سياسة تعليمية توافق طموحاتهم السياسية والاقتصادية، قائلا « من الشبان المسلمين الذين سيكونون العنصر الأساسي للمجتمع الجزائري، نحن نريد أن نشكل جيلا من المثقفين ومن هذه النخبة تتشكل جماعات تكون مدعوة إلى تكوين نخبة المجتمع»، كما حث عباس فرحات على تدعيم هذه الفئة من النخبة، بمعارف كافية تمكنهم، من أداء مهامهم الاجتماعية الموكلة لهم.
التيار الاندماجي والمؤتمر الإسلامي الجزائري : مع ظهور مشروع فيوليت وما حمله من اقتراحات للقضية الأهلية (الجزائرية) خاصة في شقه المتعلق بمسألة التمثيل، ازداد نشاط فيدراليات المنتخبين الثلاث، وتبنت المشروع المقترح، وبدت اهتماماتهم بمسألة التمثيل في البرلمان الفرنسي تظهر في خطاباتهم وتصريحاتهم، وكذا على صفحات صحافتهم، وهذا ما عبر عنه الدكتور بن جلول، حيث أكد بأن التمثيل في البرلمان ضرورة سياسية، لأنه من غير المعقول ولا المقبول أن ينعدم هذا في مؤسسة تشريعية تناقش فيها قضايا الجزائريين. ورداً على الذين كانوا يتخوفون من سيطرة الأهالي (الجزائريين) على المجالس الانتخابية، أعلنت جريدة لونتانت l’entente وهي جريدة لفدرالية المسلمين لعمالة قسنطينة في مقال أن ما يطرحه مشروع فيوليت، لن يتجاوز عدد الممثلين الأهالي (الجزائريين)عدد الممثلين الأوروبيين، وأكدت أن المطلب أصبح ضروري، وقالت : « يجب أن يكون لدينا تمثيل في البرلمان ومجلس الشيوخ حتى نتمكن من الدفاع عن مصالحنا وتخفف عنا الضرائب التي تثقل كاهلنا (...)، ونقدم حلولاً لمشاكلنا الاجتماعية، إن التمثيل في البرلمان وسيلة لتجنب الحكم القمعي الممارس علينا».
وفي نفس السياق، أبدت الفدراليات الثلاث تأييدها لمشروع فيوليت، لأنه يطرح المواطنة الفرنسية لفئة من الأهالي مع محافظتهم على أحوالهم الشخصية باعتباره يمثل الرابط الذي يبقي على العلاقة قائمة بين النخبة والأهالي المسلمين الجزائريين. وهذا ما صرح به الدكتور الصالح بن جلول :<< سنكون فرنسين، ولكن لن نتخلى أبدا عن ديننا، و لا عن قانون أحوالنا الشخصية>> و كذلك ما عبر عنه شكيكن حيث قال له : << لن أتخلى عن أحوالي الشخصية الإسلامية حتى لا ينظر إلي أنني مرتد و كافر.>>
الخاتمة : لا يمكن أن نتجاهل ما كان يتقدم به التيار الاندماجي في حركته المطلبية؛ فالكثير منها تقاطعت وتوافقت مع مطالب التيارات السياسية الوطنية الجزائرية، خاصة منها المطالب الاقتصادية، حيث طالب هؤلاء أن يعامل الجزائريون بمثل ما يعامل به الفرنسيون في الجزائر، ونفس الشيء يقال عن المطالب الاجتماعية، وما يعاب على هذا التيار أنه لم يؤمن بفكرة الوطنية التي ناضل لأجلها التيار الاستقلالي. وأجمعت الكثير من الكتابات التاريخية، أن هذا التيار قد أفل نجمه مع فشل مشروع بلوم فيولت.
المراجع المعتمد عليها :
1- أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1830-1930 ج 2، المؤسسة الوطنية للكتاب.
2-(----) الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986
3- محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومه، 2006
4- محوظ قداش، جزائر الجزائريين، تاريخ الجزائر 1830-1954، منشورات ANEP 2008
5-(----) تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.
6-يحي بوعزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه، دار البصائر 2009.
7- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.
تاريخ الجزائر المعاصر 2
المحاضرة الاولى للسداسي الثاني :
حركة الأمير خالد الجزائري
المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية السداسي : س 2
الميدان : علوم انسانية
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2
المجموعة : الثانية Section II
الأستاذ المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير
المحاضرة رقم : 1
مقدمة :
عرفت الجزائر مع بداية القرن العشرين ظهور حركة مطلبية، تزعمتها مجموعة من المثقفين الجزائريين من - النخبة المفرنسة- خريجة المدرسة الفرنسية، أطلقت عليهم آنذاك الصحافة الفرنسية اسم الشبان الجزائريين – الجزائر الفتاة- على غرار ما عرفته تركيا – حزب تركيا الفتاة- وكذلك تونس – حزب تونس الفتاة- . وسعت حركة الشبان الجزائريين إلى أن تكون في التمثيل بديلا للنخبة التقليدية ( الموالية للإدارة الفرنسية) داخل المجالس الانتخابية، فبرزت شخصيات أثرت بمواقفها على توجهات تلك الحركة الشبانية، منهم الأمير خالد بن الهاشمي، حفيذ الأمير عبد القادر قائد المقاومة والجهاد في الجزائر.
الارهاصات الأولى لحرك الشبان الجزائريين : أدت القوانين الفرنسية الاستثنائية الصادرة في الجزائر إلى بروز بعض الموظفين الجزائريين للممارسة السياسة وتمثيل مواطنيهم أمام الحكومة الفرنسية في الجزائر وباريس، ويعتبر مشروع التجنيد الإجباري أقوى دافع لاتخاذ تلك المبادرة، وفي هذا السياق تشير أحد الدراسات أن النخبة الجزائرية المفرنسة – الشبان الجزائريين- لم تبادر بالمطالبة السياسية إلا في سنة 1908، حين ردت مجموعة من الشبان على مشروع التجنيد، منهم أحمد بوضربة، الحاج سعيد مختار، بن علي فكار، الدكتور بن التهامي، الذين أرسلوا عريضة إلى الوالي العام شارل جونار Charles Jonnart، مطالبين بحق المواطنة والحقوق السياسية للأهالي (الجزائريين)، التي يتمتع بها الفرنسيون مقابل فرض التجنيد.
وفي ذات السياق، تذكر المصادر، أنه لما صدر قانون التجنيد الإجباري للأهالي الجزائريين في 03 فيفري 1912، برزت في الجهات الثلاث من العمالات الجزائرية ( قسنطينة، الجزائر، وهران)، حركة انضمت إليها الطبقة المثقفة –النخبة- قدمت عدداً كبيراً من العرائض إلى غرفة البرلمان الفرنسي بباريس، عبرت عن قبولها ضريبة الدم- التجنيد الإجباري- مقابل تعويضات منها، إلغاء القوانين الاستثنائية التي يخضعون لها والتساوي في الضرائب، وتمثيل انتخابي قادر على الدفاع عنهم في المجالس. وما أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، حتى عاد الشبان إلى المسرح السياسي في الجزائر لمواصلة حركتهم المطلبية، ولكن ببروز شخصية الأمير خالد بن الهاشمي حفيذ الأمير عبد القادر، الذي سوف يتزعم حركة الشبان الجزائريين من 1919-1924.
ظهور الأمير خالد على الساحة السياسية في الجزائر : تشير الكتابات التاريخية أن تدخل الأمير خالد في المجال السياسي، كان مع بداية عام 1913 في الجزائر، بمناسبة إجراء الانتخابات للمندوبيات المالية، أين أبدا تأييده لأحد أصدقائه المترشحين ضد مرشح الإدارة الفرنسية، وقد أعلنت مجموعة منتسبة إلى حركة الشبان الجزائريين ( صادق دندن وقايد حمود) في جريدة الإسلام L’islam انضمام الأمير خالد إليهم، متبنيا برنامجهم، ونقلت عنه ذلك الموقف، جريدة فرنسية لاريوبيبليك دوفار La république de Var، معلنا أنه سيعتزل العمل العسكري، ما دامت الإدارة لم تلب مطالب الشبان الجزائريين في الحصول على حقوقهم السياسية، مقابل قبولهم لقانون التجنيد الإجباري.
فتحول الأمير خالد إلى زعيم حركة الشبان الجزائريين إلى جانب عدد من عناصر النخبة الجزائرية المفرنسة، التي كانت تعتقد في جدوى الاندماج مع فرنسا. وفي عام 1913 توجه الأمير خالد إلى فرنسا، وهناك عقد العديد من اللقاءات وألقى المحاضرات، تحدث فيها عن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المسلمون في الجزائر، وقد أثار خلال تلك المحاضرات مسألة التقارب الفرنسي الجزائري ( التقارب العرقي بين الفرنسيين والجزائريين الأهالي )، حيث قال إن الحلف العضوي الذي يمزج قوى الفرنسيين بقوى المواطنين الجزائريين من شأنه أن يحقق التقارب في المستقبل بين العرقين، ومن الحكمة بمكان منح هؤلاء الذين قبلوا أداء كل واجباتهم بما في ذلك دفع الضرائب -ضريبة الدم خاصة- أن ينالوا بالمقابل حقوقهم).
حركة الأمير خالد بعد الحرب العالمية الأولى: ظهر الأمير خالد زعيما وطنيا للحركة المطلبية التي مثلتها حركة الشبان الجزائريين، فمنذ أن ترك العمل العسكري برتبة نقيب، صخر عبقريته السياسية وشجاعته في الدفاع عن حقوق الأهالي الجزائريين، بأن يمنح لهم حق التمثيل في المجالس الفرنسية مع منح مسلمي الجزائر حقوق المواطنين الفرنسيين دون أي تعرض أو تغيير في أحوالهم الشخصية الإسلامية، وتقدم الأمير خالد إلى الإدارة الفرنسية، بمجموعة من المطالب منها.
1- إلغاء القوانين الاستثنائية.
2- إزالة الحواجز العسكرية.
4- ضم أقاليم الجزائر الثلاثة وإخضاعها للقوانين المطبقة على الأقاليم الفرنسية.
وبنهاية الحرب العالمية الأولى حرر الأمير خالد مع مجموعة من الشبان الجزائريين في ماي 1919 عريضة للرئيس الأمريكي ولسن صاحب المبادئ الأربعة عشر، مبينا فيها حالة الجزائريين في ذلك الوقت، وطالب إدخال الجزائر تحت جمعية الأمم وتحت إشراف وعناية دولة تختارها تلك الجمعية.
وقد سعى الأمير خالد وبعض عناصر النخبة الجزائرية، من الذين شكلوا الاتحاد الفرنسي- الجزائري، في العديد من المناسبات إبراز حركة الشبان الجزائريين، كبديل عن النخبة التقليدية الموالية للسلطة الفرنسية، لأجل الدفاع عن مصالح ومطالب الأهالي الجزائريين، من خلال السماح للشبان الولوج إلى المجالس الانتخابية. ومما قال الأمير خالد في هذا الشأن ( إن من يطلق عليهم اسم ممثلينا قد صنعوا في الحقيقة للعمل ضد استرداد حقوقنا الشرعية وخدمة مصالحهم الشخصية فقط، في حين أن الشبان الجزائريين- الجزائر الفتاه- باستقلالهم وعدم وجود مصالح شخصية لإفرادها، تمثل أصدق تمثيل الرأي العام الجزائري)
وقد تعرضت جريدة الإقدام إلى المواقف المتخاذلة، التي تميزت بها النخبة التقليدية في المجالس الانتخابية، ففي مقال بعنوان( إنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ) جاء فيه؛ أن الأوضاع المتردية والمزرية التي يعيشها الأهالي، إنما يساهم في تفاقمها النخبة التقليدية، الذين لا يهمهم من المسائل الخاصة بالأهالي (الجزائريين) سوى إعادة انتخابهم، ولا يمثلون سوى أنفسهم.
وفي ذات السياق اعتمد الأمير خالد ومجموعة من الشبان الجزائريين، منهم الصادق دندن ( جريدة الإسلام) وقايد حمود ( جريدة الراشدي) على الدعاية الإعلامية، فقاموا بإنشاء جريدة الإقدام L’IKdam جريدة أسبوعية باللغة الفرنسية عام 1919، وابتداء من سبتمبر1920، أضيفت لها طبعة باللغة العربية، وكانت الجريدة بمثابة المنبر الذي تعبر من خلاله حركة الشبان عن مواقفها المعارضة للسياسة الفرنسية في الجزائر، كما فتحت الجريدة صفحاتها لأقلام من الفرنسيين Les indigenophiles، الداعيين إلى منح الحقوق إلى الأهالي الجزائريين.
الأمير خالد وإصلاحات 04 فيفري 1919: تشير الدراسات أن العلاقة بين الأمير خالد وعناصر النخبة الاندماجية قبل صدور مرسوم جونار 1919، لم يشبها الاختلاف ولا التوتر،، ويذكر أن الدكتور ابن التهامي وعمر بوضربة والأمير خالد ساهموا في تأسيس ما أصطلح عليه بالاتحاد الفرنسي الإسلامي بتاريخ 02 أفريل 1914، الذي كان عبارة عن تنظيم للدعاية للشبان الجزائريين. وبعد الحرب العالمية الأولى نشط كل من ابن التهامي والأمير خالد في لجنة الدفاع عن مصالح المسلمين.
وعبر خالد عن موقفه في جريدة الإقدام عن ذلك بقوله : ( إن الجزائريين لا يستطيعون قبول المواطنة الفرنسية داخل أي إطار غير إطارهم الخاص، وأنه حلم فقط أن نسأل الفرنسيين تغيير شرطهم، لأنه شرط لا تريده الجماهير، وثانيا أن فرنسا نفسها لن تصدر أبدا قرارا بالتجنس الجماعي، لأنها تخشى أن ترى الكولون- المستوطنين- تحت سيطرة خمسة ملايين جزائري) وختم خالد قوله بتحديه لجماعة النخبة الاندماجية من التيار الليبرالي، قائلا لهم: (لا تتحدثون عن الاندماج)
ولما صدر قانون 04 فيفري 1919 بمجموعة من الإصلاحات السياسية الموجهة للأهالي الجزائريين، منها منح الجنسية الفرنسية للجزائريين مع التخلي عن الأحوال الشخصية، فأدت تلك المقترحات والإصلاحات إلى ظهور جدال بين عناصر الشبان الجزائريين، نجم عنه انقسامهم إلى تيارين، التيار الليبرالي بزعامة بن التهامي من جهة، والتيار المحافظ بزعامة الأمير خالد من الجهة الأخرى.
الصراعات السياسية خلال الانتخابات: ازداد الخلاف حدة بين جماعة خالد المنسوبة للتيار الإصلاحي، وجماعة ابن التهامي المحسوبة على التيار الليبرالي، بشكل واضح خلال الانتخابات البلدية للجزائر، التي جرت في شهر نوفمبر 1919، حيث ظهرت قائمتان تتنازعان الزعامة، وخلال الحملة الانتخابية، دعا الأمير خالد الناخبين إلى التصويت على قائمة المترشحين المسلمين غير المتجنسين لئلا يتولى أمورهم المرتدون، وكان يصف أعدائه بالكفرة والمرتدين، أصحاب القبعات، قائلا للناخبين(إذا كنتم تريدون الجنة فعليكم بانتخابنا نحن المسلمين) وكان يذكر الناخبين بأن المسلم الصادق يحرم عليه انتخاب فرنسيين أو أشخاص ينتمون إليهم، كما استعمل في حملته الانتخابية عبارات الاعتزاز بالكرامة والإعراض عن الجهل والجاهلين.
ولما جرت الانتخابات البلدية لسنة 1919 تقدم الأمير خالد بقائمة، وتقدم الدكتور بن التهامي بأخرى، ووقعت بين الطرفين حملة دعائية عنيفة، استعمل فيها الطرفان التصريحات اللاذعة، فقام بن تهامي عبر جريدة المستقبل الجزائري بتوجيه اتهامات لخالد، قائلا : (من المعروف أنه استنفر – يقصد خالد- الجمهور علنا طالبا تدخله الفوضوي، ومثيرا للتعصب الإسلامي ضد سياسة الدمج وضد الحصول على الجنسية الفرنسية، متهما حامليها بالكفر أصحاب القبعات الفرنسية ) و علقت جريدة الأخبار الفرنسية على ذلك: ( يجب إلغاء نتائج الانتخابات لأنها ألحقت الهزيمة بسياسة الدمج، وهي سياسة غير شرعية لفرنسا ذاتها)
وتشير الدراسات التاريخية، أن عناصر من النخبة الجزائرية حاولت أن تصالح بين الطرفين المتنازعين خاصة بين الأمير خالد و الدكتور بن التهامي، وأن المصالحة تمت على اثر النداء الذي وجهه أمحمد بن رحال، داعيا إلى إقامة الوحدة بين الذين يمزق بعضهم البعض، والذين يجب عليهم توحيد جهودهم لما فيه خير، وقد أثمرت الجهود بأن حدثت المصالحة سنة 1920، بين الأمير خالد والدكتور موسى النائب عن خنشلة، بحضور الدكتور بن التهامي، وكانت لتلك المحاولات أثرها الايجابي خاصة على الدكتور بن التهامي، الذي تمكن من جراءها الوصول إلى منصب مستشار عاما للمدية خلال انتخابات الجزئية للعمالات في أكتوبر 1921. ولكن ذلك التصالح لم ينجح إذ عاد الصراع من جديد بين الطرفين، وكثيرا ما كان يظهر عنيفا خاصة مع الانتخابات باستعمال الفريقان – التياران- الصحافة للتشهير ببعضهما البعض ، واستمرت الخلافات بين الطرفين الى عام 1924، وهي السنة التي ينفى فيها الأمير خالد من الجزائر.
موقف الإدارة الاستعمارية والمستوطنين من حركة الأمير خالد: لم يسلم الأمير خالد من مضايقات الإدارة الاستعمارية وأعوانها، منذ أن كان في المدرسة العسكرية الفرنسية سان سيرSaint Sir ، أصبح الأمير خالد محل انتقاد من جهات عديدة، منها الحاكم العام ليوتو Lutaud. وقد ازداد ضغط الإدارة الاستعمارية على الأمير خالد مما دفعه في ماي 1921 إعلان استقالته من مناصبه التي انتخب فيها . وفي جانفي 1922 اسس الامير خالد جمعية في الجزائر سماها الأخوة الجزائرية، انظم أليها العديد من الشبان الجزائريين، مما أقلق مصالح الإدارة الحاقدة. وبمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي ميليران Millerand، في 22 افريل 1922 ألقى الأمير خالد خطابا، تحدث فيه عن المطالب السياسية للجزائريين، فاتهم بالتحريض، وبذلك قامت الإدارة الفرنسية بحبك خيوط مؤامرة النفي عام 1924 في ظروف تحاملت فيها مكائد المتطرفين الفرنسيين، وبني وي وي، والبعض من الاندماجيين، فأقدم الحاكم العام ستييقSteeg بالضغط عليه ونفيه من الجزائر، لتنتهي المقاومة السياسية لحركة الأمير خالد في الجزائر.
وبعده استقر في الإسكندرية، ثم انتقل إلى فرنسا لمواصلة نضاله السياسي من أجل الدفاع عن مصالح الأهالي الجزائريين، وفي جويلية 1924 ألقى الأمير خالد محاضرات أمام جمهور من المغرب العربي والمستعمرات الأخرى، تحدث فيها عن الحالة المأسوية للأهالي الجزائريين، وعن تلك المحاضرات قالت جريدة لومانيتي L’humanitéاليسارية الفرنسية، أنها أروع مرافعة لم يسبق أن رفعت ضد الاستعمار، مما جعل المتطرفين من غلاة الاستعمار يهاجمون الأمير خالد في صحافتهم المتطرفة، واتهموه بالتحالف مع الشيوعيين.
ولما قدم الأمير خالد برنامجا إصلاحيا في 03 جويلية 1924 إلى رئيس الوزراء الفرنسي هيريوHerriot ، قام المتطرفون من الكولون، وغيرهم من عناصر الإدارة الفرنسية في الجزائر، بالتنديد بعودة الأمير إلى فرنسا، وشنوا ضده حربا إعلامية في جرائدهم، وقالوا أنه عميل للشيوعيين، وللحزب الشيوعي الفرنسي، واتهموه بالتواطؤ مع الأمير عبد الكريم الخطابي زعيم ثورة الريف في المغرب.
الخاتمة : استطاع الأمير خالد بمواقفه المعارضة للسياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، أن يؤسس لانطلاق حركة سياسية جزائرية وطنية، جعلت منه – الأمير خالد- رمزا لها، وتتجلى تلك الرمزية في ما جاءت به الجرائد الوطنية يوم وفاته عام 1936؛ فالجميع اعترف بمواقف الرجل الشجاعة في دفاعه عن مصالح الأهالي الجزائريين.
المراجع المعتمد عليها :
- بن العقون عبد الرحمن بن ابراهيم، الكفاح القومي والسياسي، من خلال مذكرات معاصر ، الفترة الأولى 1920-1936، الجزء الأول، المؤسسة الوطنية للكتاب 1984.
- سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية الجزائرية 1900-1930، الجزء الثاني الطبعة الثالثة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر1983.
- شارل روبير اجيرون تاريخ الجزائر المعاصرة من انتفاضة 1871 الى اندلاع حرب التحرير 1954، ج2، تر: محمد حمداوي وآخرون، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر 2013.
- قداش محفوظ، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، الجزء الأول 1919 – 1939، تر: أمحمد بن البار، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر 2011.
- سحولي بشير، مواقف النخبة الجزائرية المفرنسة من القضايا الوطنية ا 1900-1939، دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، جامعة سيدي بلعباس 2014- 2015.
- KADDACHE Mahfoud, L’EMIR KHALED, Documents et Témoignages pour servir a l’étude du nationalisme Algérien, office des publications universitaires 2009.
تاريخ الجزائر المعاصر2
السنة الاولى علوم انسانية جذع مشترك
برنامج السداسي الثاني ( المجموعة الثانية SECTION II )
مقياس : تاريخ الجزائر المعاصر 2
الأستاذ المشرف على المقياس : د/ سحولي بشير
1- أوضاع الجزائر مع مطلع القرن العشرين الى غاية 1919( السياسية- الاقتصادية-الاجتماعية)
2 - حركة الأمير خالد .
3- دراسة الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية ( 1926- 1939) :
3-1- حزب نجم شمال أفريقيا.
3-2- حزب الشعب الجزائري.
3-3- التيار الاندماجي وتطوراته
4-3- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
5-3 - الحزب الشيوعي الجزائري.
10- مشروع بلوم فيوليت.
11- المؤتمر الإسلامي الجزائري
12- أوضاع الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية 1939- 1945
13- اعادة بناء الحركة الوطنية الجزائرية.
14- بوادر تصدع الحركة الوطنية الجزائرية ( حركة الانتصار للحريات الديمقراطية)