تاريخ الجزائر المعاصر 2
bachir sahouli

تاريخ الجزائر المعاصر 2

المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية                     السداسي : س 2

الميدان : علوم انسانية                                                        

المادة : تاريخ الجزائر المعاصر 2

المجموعة : الثانية Section II

الأستاذ  المشرف على المحاضرة : د: سحولي بشير

المحاضرة رقم :6

التيار الإصلاحي ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)

1931- 1939

توطئة :  يذكر أن حركة الإصلاح، لم تبدأ بجمعية العلماء المسلمين، وإنما الحركة قد تبلورت على يد         بن باديس وتلاميذه وأنصاره خلال العشرينيات من القرن العشرين، إذ عرفت الجزائر كغيرها من البلدان العربية نشاطا في الصحافة الإصلاحية وتأسيس النوادي والمدارس الحرة ومساجد الوعظ والإرشاد، وكان          المصلح عبد الحميد بن باديس المحرك لهذه الحركة الإصلاحية بشخصه، قلمه، ولسانه.

تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين : برزت جمعية العلماء الجزائريين في يوم 05 ماي 1931بنادي الترقي بالجزائر العاصمة، واستجاب عدد كبير للنداء الذي أطلقته جريدة الشهاب منذ 1925، دعت فيه المثقفين المسلمين إلى تشكيل حزب ديني، يهدف إلى تنقية الدين من الخرافات و المعتقدات الخاطئة التي أدخلها إليه الجهلة، وحضر حوالي 72 عالما جاؤوا من مختلف أنحاء الجزائر . كما انبثق عن المؤتمر التأسيسي للجمعية مجلس إداري مكون من ثلاثة عشر عضوا على رأسهم الشيخ عبد الحميد        بن باديس ، الذي غاب عن المؤتمر ، ولم يحضر إلا في اليوم الثالث، وتم انتخابه رئيسا للجمعية.

أهداف الجمعية :  سع العلماء المؤسسون للجمعية إلى تحقيق أهداف اجتماعية من خلال برنامج شامل حددت له الوسائل لتحقيقه على المدى القصير والبعيد،  ويذكر أبوالقاسم سعد الله، أن أهداف الجمعية  تمثلت في إحياء الإسلام؛ بإحياء القرءان والسنة و اللغة العربية وآدابها وإحياء التاريخ  الإسلامي.  

وحسب فرحات عباس فإن أهداف الجمعية تمثلت في تجديد الإسلام  ومجابهة المرابطين؛ أداة الاستعمار الفرنسي   في الجزائر ، وتكوين إطارات الثقافة العربية الإسلامية. ويقول آخر : " إن أهداف الجمعية تمثلت في فهم لغة القرءان والعودة إلى الثقافة الإسلامية القديمة واعتبرت المغرب العربي كقلعة للعبقرية الشرقية في وجه الغرب ...." وحسب المؤرخ شارل أندري جوليان، فإن الجمعية جاءت لتطهير الإسلام وتكوين كيان جزائري قائم على الثقافة العربية الإسلامية.

كما اعتمدت جمعية العلماء المسلمين في دعوتها وحركتها الإصلاحية على وسائل منها، المسجد، المدرسة، النادي والصحافة، فالمسجد كان للوعظ  والإرشاد بطريقة؛ عمل العلماء في المجتمع الجزائري على فهم الدين ودوره في الحياة، وقد برع الإمام بن باديس في استعمال المسجد ، حيث كان يلقي الدروس في مسجد الأخضر بقسنطينة.  أما المدرسة فكانت وسط تربوي ذو أهمية كبيرة، استطاعت جمعية العلماء استعماله، لاستمالة الجماهير والتعريف بالجمعية في وسط الناشئة، وكذلك تكوين إطارات متشبعة بالثقافة العربية الإسلامية، ومن بين المدارس التي اضطلعت بتلك المهمة، يمكن ذكر مدرسة دار الحديث في تلمسان وما قام به الشيخ البشير الإبراهيمي هناك. أما النادي فكان المقصد من إنشاءه التوعية وبعث الروح الوطنية بالخطب والمحاضرات والمسرحيات، وفي هذا السياق لعب علماء الجمعية دورا واضح في النوادي التي تأسست              في مختلف جهات الجزائر، خاصة الدور الذي لعبه الشيخ الطيب العقبي في نادي الترقي.

أما الصحافة فكانت لسان ناطق بحال جمعية العلماء، ومنبرا للتعبير عن مواقفها من القضايا المختلفة التي تهم المجتمع الجزائري المسلم،  والرد على أعدائها وخصومها من الإدارة الفرنسية وحتى رجال الدين الذين اعتمدت عليهم  السلطات الاستعمارية، ومن الجرائد المعتمد عليها نجد الشهاب والبصائر.

ويؤكد أبو القاسم سعد الله، أن الطريق الذي انتهجته جمعية العلماء المسلمين، لم يك سهلا،  وهذا نظرا لما اعتمدته السلطات الفرنسية لمواجهة الوطنيين الجزائريين سواء من الجمعية أو حتى التيارات السياسية الجزائرية الأخرى، وحسب رأيه أن الجمعية كانت تسعى لتحيق مبادئها وأهدافها بأية وسيلة مشروعة ، مما جعلها في الكثير من المسائل تصطدم مع جبروت الإدارة الاستعمارية التي كانت لا تتوانى في طرح القوانين والقرارات المقيدة.

علاقة جمعية العلماء المسلمين بالنواب ( فيدرالية المنتخبين الجزائريين) : تميزت العلاقة بين الطرفيين بالتقارب أحيانا والتنافر أحيانا أخرى، ولعل أهم موقف أبدته الجمعية تجاه النواب والنخبة المفرنسة، هو ذلك الرد الذي جاء في جريدة الشهاب على لسان عبد الحميد بن باديس حول مقال فرحات عباس في جريدة الوفاق بعنوان " فرنسا هي أنا"، حيث أفحم فيه فرحات عباس وقوض ما قاله، مما دفع بهذا الأخير زيارة عبد الحميد بن باديس في مكتبه  وشرح له مقاصد مقاله " فرنسا هي أنا" وعلى إثر تلك الزيارة وما دار من حديث بين الرجلين ، نشر عبد الحميد بن باديس مقالا آخر شهد فيه أن فرحات عباس من أكمل الرجال، صاحب همة عالية وطهارة ضمير.

كما كانت جمعية العلماء المسلمين في جدل كبير مع النخبة المفرنسة و النواب حول مسألة التجنس، فكانت ترى في الإقبال عليه مع التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية؛ هو ردة عن الإسلام ومن يقبل به-أي التجنس-فإنه ليس بالمسلم  ولا تجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين.  بينما في مواقف أخرى نجد جمعية العلماء المسلمين في بعض المناسبات تتحالف مع النواب وكانوا يستنجدونهم، حينما كانت الإدارة الفرنسية تضيق على العلماء بفعل القوانين الجائرة التي كانت تصدرها للحيلولة دون تحقيق أهدافها. ولعل أهم تقارب وقع بين جمعية العلماء المسلمين والنواب وعناصر من النخبة المفرنسة، كان خلال تشكيل ما عرف بالمؤتمر الإسلامي الجزائري، حيث اجتمع الطرفان جنبا إلى جنب في المؤتمر الأول 1936 والمؤتمر الثاني 1937.

علاقة جمعية العلماء المسلمين بالفرنسيين : ساءت علاقة العلماء  بطائفة من الفرنسيين ( رجال التبشير المسيحي) حيث اعتبر العلماء رجال الكنيسة أداة من أدوات الاحتلال الفرنسي للجزائر، إذ كانوا رفقة جيش الاحتلال الفرنسي وباركوا تحويل المساجد إلى كنائس، وساهموا في تمسيح بعض من الجزائريين  خاصة الأيتام منهم ، على غرار ما قام الكاردينال لافيجري وجماعته.

موقف الإدارة الفرنسية من جمعية العلماء المسلمين:   اتخذت جمعية العلماء المسلمين موقفا جادا تجاه القضايا التي كانت جوهر النقاش بين مختلف أطياف المجتمع الجزائري آنذاك،  ومن القضايا التي طغت على الساحة السياسية مسألة التجنس والتمثيل النيابي و الإجراءات الإدارية ضد تعليم اللغة العربية. وكانت الإدارة الفرنسية مدركة للدور الذي تؤديه الجمعية في  وسط الشعب  الجزائري، مما جعلها تضيق على نشاطها، حيث صادرت صحافتها، وتشير احد الدراسات، أن الحاكم العام الفرنسي في الجزائر جول كارد بعث برسالة إلى عمالتي قسنطينة ووهران في 18اوت 1932 يحث فيها على مراقبة نشاط بن باديس في شرق البلاد وكذا نشاط البشير الإبراهيمي في غرب البلاد، كما أصدرت القوانين؛  كقانون ميشال 1933  ورينيه 30 مارس 1935، وفي 08 مارس 1938 أصدر مرسوم شوطان الذي يمنع فتح المدارس القرآنية بدون رخصة مسبقة، فاحتجت الجمعية على ذلك وطالبت بحرية التعليم العربي، حرية استعمال المساجد للوعظ والارشاد وحرية الصحافة العربية، وازدادت العلاقة بين جمعية العلماء والإدارة الفرنسية سوءا لما رفض الشيخ عبد الحميد بن باديس تأييد فرنسا في حربها ضد ألمانيا.

الخاتمة : أدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا كبيرا في المجتمع الجزائري، حيث مدت وجودها في كامل التراب الوطني، أين أقامت المدارس القرآنية، وأنشأت النوادي، مما جعلها تنال ثقة عناصر كثيرة من النخبة الجزائرية، وتمكن الشيخ عبد الحميد بن باديس من تأدية دور كبير منذ تأسيسها 1931 الى 1939 وهي السنة التي اندلعت فيها الحرب العالمية الثانية، هذه الحرب التي سيدخل فيها الوطنيون الجزائريون في نشاط سري،  وأثناءها قام العلماء رغم الحضر والرقابة بدور هام. 

:

 


لمراجع المعتمدة

1- أبو القاسم سعد الله،  الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج3، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986

2- محمد الميلي، المؤتمر الإسلامي الجزائري، دار هومه، 2006

3-محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، تر، أمحمد بن البار، شركة دار الامة 2011.

4- سحولي بشير، مواقف النخبة المفرنسة من القضايا الوطنية 1900-1939، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة جيلالي اليابس 2015.