تاريخ الجزائر المعاصر1
bachir sahouli

تاريخ الجزائر المعاصر1

محاضرة رقم : 01

الأوضاع العامة للجزائر قبل الحملة الفرنسية

 

المستوى : السنة الأولى جذع مشترك علوم إنسانية                     السداسي : س 1
الميدان : علوم انسانية                                                         
المادة : تاريخ الجزائر المعاصر I

الأستاذ  المقدم : د: سحولي بشير/ د : دباب بومدين

 

مقدمة : إن الأوضاع العامة للجزائر سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية تأثرت بشكل كبير بطبيعة وخصائص الحكم العثماني بها، الذي استمر ما يزيد عن ثلاثة قرون من جهة، وبشخصيات الحكام الأتراك من جهة أخرى، حيث تميزت هذه الأوضاع بالاستقرار والازدهار في بعض الأحيان والاضطرابات والانحطاط أحيانا أخرى .  ومع نهاية القرن الثامن عشر عرف الوضع العام للجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، منعرجا خطيرا، بعد أن كانت تتمتع بمكانة مرموقة وهيبة دولية، خاصة في الفترة الأخيرة من حكم الدايات (1776-1830).

الأوضاع السياسية الداخلية :    رغم أن عهد الدايات كان مليئا بالثورات والمؤامرات ولم تكن مدة حكمهم تستمر طويلا ، إلا أنه يمكن أن نستثني من ذلك الفترة التي حكم فيها الداي محمد بن عثمان باشا في النصف الثاني من القرن 18 أي من سنة( 1766 – 1791 ) ، حيث عرفت الجزائر في ظل حكمه استقرارا نسبيا.  وفي مجمل الحديث عن الأوضاع السياسية الداخلية للجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، يمكن القول أنها تميزت بعدم الاستقرار السياسي والأمن، حيث تواصلت الاضطرابات، والتناحر على الحكم، والاغتيالات والتمرد والعصيان من طرف الأهالي بسبب السياسة التي انتهجها الدايات بإرهاق الأهالي بالضرائب، منها تمرد سكان العاصمة والقبائل المجاورة، تمرد كراغلة تلمسان، وكراغلة عاصمة الجزائر، وتمرد  القبائل الكبرى عام 1767، سكان البليدة- الحضنة- واحات الجنوب- الاوراس )، وثورة ابن الاحرش،  في بايلك الشرق  1804.

الأوضاع السياسية الخارجية :

1 - على المستوى المغاربي : كانت السياسة المغاربية متوترة في أكثر فترات تاريخ بلاد المغرب .

  1- أ- تونس: كانت الجزائر تعتبرها إقليما تابعة لها وتونس ترفض ذلك ، كما كانت لتونس أطماع  في قسنطينة.  

  1- ب – المغرب: كانت لسلطان المغرب أطماع قديمة في تلمسان ، كما كان ينظر للجزائر كخطر يهدده ويجب تفاديه حتى وان اقتضى الأمر التحالف مع الغرب.

2- على المستوى الأوروبي : أقامت الجزائر علاقات سياسية وتجارية مع عدة دول أوروبية ، حيث كان دافع الجزائر الحيلولة دون قيام أي تحالف أوروبي ضدها، أما الدول الأوروبية، فكان لأجل مصالحها التجارية من القرصنة، تقدم الترضيات المالية لها والإتاوات، علما أن هذه العلاقات لم تخل من نزاعات وحروب بحرية.

 2-أ - علاقتها مع بريطانيا : كان للجزائر علاقات ودية في غالب الأحيان مع بريطانيا ، فاستفادت الجزائر من التنافس الحاد بين بريطانيا وفرنسا ، وقد تخللت تلك العلاقات معاهدات سلام بين الدولتين ، كما أن بريطانيا كانت تبذل كل ما في وسعها لتتوتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، حيث تمكنت الحصول على الامتيازات،  لكن هذا لم يمنع بريطانيا من شن حملات عسكرية على الجزائر لإضعافها ، ومن بين هذه الحملات نذكر : حملتها على مدينة الجزائر عامي 1660، و 1670،  وحملة اكسماوث 1816.

  2-ب- علاقتها مع اسبانيا: تميزت بالتوتر في معظم فتراتها بسبب احتلال اسبانيا للمرسى الكبير ووهران،والحملات المتكررة على المدن والموانئ الجزائرية .

 2- ج - علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية : كانت الجزائرالسباقة في الاعتراف بأمريكا كدولة مستقلة عن بريطانيا عام 1776 ، كما منحتها مساعدات كثيرة ، لكن الاعتراف والمساعدات لم يمنع الجزائر من أن تفرض على أمريكا الإتاوات، وقد قررالكونغرس ألا يقدم الإتاوة، وعليه أعلنت الجزائر على أمريكا حربا، مما جعل  الكونغرس الأمريكي يرسل وفدا للتفاوض، وتم التوقيع على معاهدة سلام بين الدولتين عام 1796.

2- د - علاقتها مع فرنسا : عرفت العلاقات بين الجزائر و فرنسا تطورات متباينة، من المودة والتعاون إلى التوتر و الحروب، حيث  توترت العلاقة بين البلدين إثر الحملة الفرنسية على مدينتي الجزائر و شرشال عامي 1682 -1683 ،ثم عادت العلاقات إلى حالها خلال الثورة الفرنسية  1789، وفي عام 1793 منح داي الجزائر ( حسن باشا ) قرضا لشراء المواد الغذائية من الجزائر،  لكن المساعدات توقفت، بسبب الحملة الفرنسية على مصر 1798، وبعد انسحاب نابليون عادت العلاقات إلى طبيعتها . ثم توترت بسبب تهديد نابليون بتحطيم الأسطول الجزائري.   كما سحبت الامتيازات من فرنسا ومنحت إلى منافستها بريطانيا عام 1806 إلى غاية 1816 أين أعادتها للمرة الثانية لفرنسا، وبعدها جاءت أزمة ديون التي آلت إلى احتلال.

3- التحالف الأوروبي ضد الجزائر: في أوائل القرن التاسع عشر بدأت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تكف عن دفع الإتاوات للجزائر، كما أصبحت النوايا الاستعمارية تتجلى في الأفق ضدها، خاصة بعدما حققت تفوقا عسكريا واضحا على الجزائر بفضل دخول دول أوروبا مرحلة الثورة الصناعية الحديثة، ولأجل تحقيق نواياها  عقدت  الدول الأوروبية العديد من المؤتمرات منها  :  

 3-أ- مؤتمر فيينا 09 جوان 1815: تحالف الأوروبيون ضد الجزائر في مؤتمر فيينا وذلك لوضع حد نهائي لأعمال القرصنة البحرية واسترقاق المسيحيين ( استعبادهم )، وكلفت بريطانيا بتطبيق مقررات المؤتمر، فتوجه الانجليزي اللورد      ( اكسماوث) عام 1816 الذي قنبل بالمدفعية الأسطول البحري الجزائري.

 3-ب - مؤتمر اكس لاشابيل 30 سبتمبر 1818 : قرروا فيه مطالبة كل من الجزائر وتونس وليبيا بوضع حد للقرصنة واعتبروا أي مساس بالبواخر التجارية، لأحد من هذه الدول المتحالفة سيؤدي إلى رد فعل سريع. 

الأوضاع العسكرية :  واجهت الجزائر والدولة العثمانية تهديدات خارجية كبيرة ، خاصة من جانب اسبانيا والدول الايطالية وفرسان مالطة ، مما جعلها ( أي الجزائر ) تهتم بأسطولها الحربي تدفع به الغارات المسيحية عن مدتها وسواحلها ، أصبحت موانئ المدن الساحلية الأخرى، كشرشال ودلس وبجاية وجيجل وعنابة وتنس قواعد أخرى للأسطول. وكان الخشب يجلب من غابات شرشال وجرجرة وبجاية وجيجل والقل، كما أنشئت مصانع لصناعة المدافع والبارود والذخيرة        وقطع الغيار.  وقد بلغ الأسطول الجزائر أوج قوته في منتصف القرن 17، مكنته من صد وإفشال جل الحملات العسكرية على الجزائر كالحملات الاسبانية والفرنسية والهولندية وغيرها ، كما كان الأسطول درعا واقيا، لكن دور البحرية ونشاط الأسطول الجزائري بدأ يتضاءل مع مطلع القرن 19 إلى أن اضمحل نهائيا سنة 1830.

- الأوضاع الاقتصادية : إن عدم الأمن والاستقرار السياسي وانتشار حركات التمرد والاضطرابات كان له انعكاسات سلبية على المجال الاقتصادي ، حيث أهملت الفلاحة بتوقف الحرث والزرع ، وحدثت مجاعات من جراء كثرة الفتن والأهوال واهتزاز المجتمع . كما أغلقت الأسواق خوفا من قطاع الطرق ، إضافة إلى ظاهرة الجفاف التي استمرت سنوات خاصة بشرق البلاد وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.  كما لم تتدخل الدولة لتحسين وسائل الزراعة، ولم تسهم في الوقاية من الأضرار الطبيعية ، أو الآفات الزراعية التي كانت تتعرض لها البلاد بصورة مستمرة.

الأوضاع الاجتماعية :    لم تكن الأوضاع على الصعيد الاجتماعي أحسن من غيرها ، حيث عرفت الجزائر انتشار الأوبئة خاصة في الفترة التي بلغ فيها مرض الطاعون درجة خطيرة وهي الفترة الممتدة من جوان 1817 إلى سبتمبر 1818 ، بالإضافة إلى و الزلازل التي ضربت كثيرا من المدن الجزائرية ( مدينة الجزائر والمدية عام 1632 ، زلزال الجزائر العاصمة 1665 ، شرشال ، بجاية والجزائر العاصمة عام 1716 ، ثم زلازل 1723 و 1724 و 1755 و 1760 الذي خرب البليدة ، وزلزال وهران عام 1790 ). وفي بداية القرن التاسع عشر تجلى في الجزائر نفوذ شخصين يهوديين وهما بوجناح وبكري ، إذ كانا يقومان لوحدهما بدور البنوك في الجزائر، ويحتكران الأسواق التجارية الجزائرية وخاصة في ميدان تصدير الحبوب فامتد نفوذهما حتى في بلاط الحكم ، فأصبحت لهما قوة تأثير في القرارات السياسية و الاقتصادية، وكانا سببا مباشرا في احتلال فرنسا للجزائر عام 1830.

خاتمة : عرفت الجزائر في بداية القرن التاسع عشر، تحولات أثرت سلبا سياسيا، عسكريا، اقتصاديا واجتماعيا، مما فسح المجال للدول الأوروبية، إلى التآمر عليها في كثير من المؤتمرات الأوروبية، حيث راحت تلك الدول الأوروبية المسيحية تبحث عن السبل، لإنهاء هيمنة الجزائر على الملاحة البحرية في حوض البحر المتوسط، ولما انهارت القوة البحرية الجزائرية في معركة نفارين 1827، أقدمت فرنسا على تنفيذ حملتها العسكرية عام 1830.